ما رأيك بهذا الحطام القلبيّ، الذي ما زال يحاصرنا في زاوية ضيقة من الحنين؟ وما رأيك بي من ناحية ترهل مشاعري وتجعد ملامح الحياة فيَّ؟ هل بإمكاننا أن نعيد لحياتنا أفكارنا الفتية والمجنونة؟ وهل بإمكاننا أن نتشرب من الذكرى عمراً يعيدنا من منتهانا للبداية؟ أوه يا رجل الأسئلة المتدلية والأغنيات المتطرفة، اشتقتك حد شتمك علناً.
تصور بأني ما زلت أتحسس أدوات حلاقتك، منشفتك اليابسة من الحياة، وبقايا ثيابك التي ملأتها العثة، تصور بأني للآن أشهقك خوفاً وأزفرك ضياعاً، لم يكن حبنا فعل حماقة؛ بل كان فعل جنون، أنا على ثقة كما أنا على قلق بأنك الآن تعانقني في صورة، تغنيني في حانة، وتلعنني في ورقة، لا تخف فأنا أراك الآن كما كنت يافعاً، متهوراً، عصبياً، وغيوراً، أنت لم تكن رجلاً شرقياً فحسب؛ بل أنت دهست تلك الشرقية بضعف زخمها وسطوتها، كنت تكبلني بك؛ بل كنت تحرص على التنكيل بي أكثر فأكثر، لذلك كان حبنا متجلياً بالتحدي، بالقوة، بالسادية، وبالهوان؛ لذلك ما زلت أحاربك في الغياب، معترضة على كل مراحل الخدر التي حقنتني بها، ومشتاقة لكل تطرفك وتصوفك في الحب، لا أعلم، بدأت أشعر بأنني كسمكة علقت في سنارتك عنوة، لا هي تسبح في فضاء الحياة، ولا هي عانقت الموت، تماماً بدأت بالرقص في منطقة الحياد، شاهرة الاحتضار الرحيل، والخضوع.
لم تحاول أن تجعلني أنصاع لأوامرك، لتقشفك ولعبثية أفكارك؟
لذلك فقط ما زلت مفخخة بالهروب، بالانزواء والابتعاد عن كل مظاهر الترف والوجود؛ لذلك أختبئ تحت العدم، وتحت اللاوقت، أتعي مدى خطورة هذا الرُّهاب الذي وشمته في ظهر العمر بوهن؟
صدقني، فأنا لم أعد أنتظر منك سوى أن تعيد لتاريخي ماهيته في المضي قدماً، دون ذكريات معلبة، أو حتى مشاعر بلاستيكية.
أخبرني، هل ما زلت مدمناً للسجائر وللعطور؟ هل ما زلت تنفثني من بعد كل نبضة؟ وهل ما زالت لديك القدرة على معرفة رائحتي من بين زحام النساء؟ سأخبرك بسر مثقوب، لم أعد أشمك في القهوة؛ فأنا ما زلت أعانق رائحة أوراقك، ثيابك، هداياك، ووسادتك، لم أبق تلك الصبية التي تركتها فوق سطح المغامرات والخطيئة، ولم أعد كما أذكر؛ بل أصبحت على هيئة لا تمت لي بصلة سوى أنها أنا بصورة غريبة، ما هذا التخبط الذي أكتبه لك؟ لكن لا بأس، ستفهمني على كل حال؛ فأنا على ثقة من ذلك؛ لأنه رغم كل الخيبات الكربونية وهذه الرسالة العصماء؛ سأبقى طفلتك المشاكسة لأنفة كبريائك بكل قداسة