mena-gmtdmp

أيا وطناً يسكنني

سلمى الجابري
| كم من وطنٍ يجيد معانقة الوجع فينا بجماليّة بساطته، بسحر أجوائه، بفتنة ليله، وبطيبة شعبه. كم من وطنٍ نخاله وطننا من فرطِ حبنا له، كم من وطنٍ لا يبرح الذاكرة إلا بحنين مدوٍّ. ثمة أوطان لا ننتمي لها، لكنها تنتمي إلينا، تلك الأوطان هي وجهتنا الوحيدة؛ حيثُ لا وجهة لنا، تلك الأوطان هي سلامنا وملجؤنا الآمن، عندما تضيق الدنيا علينا. ثمة أوطان نعبرها دون ذاكرة، دون هوية، دون مشاعر، وتلك الأوطان لا ترسخ بذكرياتنا، ولا نتمنى العودة لها، إلا من أجل العبور بمحاذاتها، نحو وجهتنا الحالمة، تلك الوجهة التي يتكاثر فيها الحب، يتكاثر فيها ألق الحياة، وجنون اللحظة. فالأوطان التي تلهمنا، تماماً مثل الأشخاص الذين يكون وقعهم على قلبنا مختلفاً، ذلك الوقع الذي لا يُبقي فينا ولا يذر، فذلك الشعور الغريب يجعلنا مشدوهين، ونحن بملء الأسئلة، لن تجدي علامات الاستفهام شيئًا، أمام زخم حضورهم، فكيف تجتمع الحياة والموت فيهم، دون أن نشعر بغرابة هذا الحدث؟ كل هذه المهزلة العاطفية، التي قد نتعرض لها في لحظة مغايرة، ما هي إلا بداية للحياة التي كنّا نطمح لها، سواء كانت معهم، أم تحت ظلال تلك الأوطان المزهرة بالهوى. أيا وطناً أتمنى العيش بين جنباته بسلامٍ يشعرني بإنسانيتي، أيا وطناً كلما ابتعدتُ عنه بنية الهرب، أعود أدراجي نحوه بنية الولاء، أيا وطناً يسكنني وأسكنه، كن رءوماً على من تتلفظ أنفاسه بعشقك