كم هو صعب أن نفارق من نحب،
حتى لو كان هذا الفراق لعدة أيام، فكيف وهو فراق أبدي، إن في حياة كل منّا يومًا
مشهودًا لا ننساه مطلقًا، مهما مرت الدقائق والساعات، يوم أليم سطر مشاهده بالدموع
والآلام، كان ذلك اليوم الذي ودعتنا فيه يا أبي، وتجول في خاطري أدق تفاصيل وجودك
معنا فينخلع قلبي وتنهمر دموعي، ويكاد الحزن يقتلني، لكن ما قيمة الدموع أمام
واقع يفرض نفسه، فساعة القدر لا تتأخر أو تتقدم ثانية، وعقاربها تسير في اتجاه
واحد إلى الأمام، فماذا نملك أمام إرادة الله الذي لا راد لقضائه ولا معقب على
حكمه.
نعم قد غيبك الموت يا أبي وفاضت روحك لخالقها منذ سنوات عديدة ومازلت أحيا الحزن لفراقك، حزنًا يسكن في جذوري وأعماقي، ومازلت ازداد اشتياقًا إليك، ومازلت أحن إلى ذراعيك وأهفو إلى ابتسامة من وجهك تشرق بها نفسي، وأشتاق إلى كلمة تدليل تبث النبض في أعماقي، وأتلهف إلى ضمة من حضنك لأعيش الأمان، ومازلت أقول لو كنت معي لما نزفت عيناي الدموع، ولا ملأ الأنين صدري، ويزداد إحساسي بحاجتي إليك لأبكي، مع علمي أني سأبكي وحيدة، فلن تراني ولن أراك، لأن التراب قد طواك، لكني بحاجة إلى أن أتكلم معك وأبوح لك بما في أعماقي لأبكي، فهناك صراع ومعارك طاحنة تدور في كياني.
أتصدق يا أبي بأني أظل أحتضن صورتك وأسمع صوتك ينبت من أعماقي وأتحدث مع نفسي وذاتي وأعيش وبداخلي آلاف الصور والذكريات والمشاعر الرائعة التي أغرقتني فيها بحبك وحنانك وعطفك، وأخبرك عن مدى اشتياقي وعن معاناتي، فرغم غيابك إلا أني مازلت أستشعر وجودك معي وأراك في كل موقع، في كل نجاح وفشل، في كل لحظة فرح أو حزن، وأسمع نصائحك وتوجيهاتك، وأحسك معي وأشعر بحنيني لأيام كنا نضحك ونتسامر ونتناقش ونتحاور، وعندما أتنبه لعدم وجودك، لحظتها أحس أني في تحد ومواجهة حادة مع بدايات جديدة، فأقسى شعور أحس به ببعدك عن عالمي هو أني أعيش الغربة، رغم المحيطين بي أشعر بغربة الاستقرار، غربة الحق، غربة الدفء، غربة الأمان، فكيف لي أن أعوض إحساسي بالحاجة إليك وفقداني الشعور بالأمان والاستقرار والحماية؟ يتيمة أنا… أشعر بذلك، فكل نبضة من نبضاتي وكل عرق من عروقي يصرخ باليتم، فقد كنت دومًا إلى جواري، وكنت أرافقك في حلك وترحالك، فلا يهنأ لك بال وأنت بعيد عني، ولا يغمض لك جفن حتى تراني وتؤثرني على نفسك في كل كبيرة وصغيرة ..وبرحيلك حرمت من أب غالٍ لا يعوضه أحد، ومكان فارغ لا يشغله بشر… فسنوات عمرك القصيرة عشت تعلمني الحب في أروع معانيه.
حبيبي الحاضر، رغم غيابك، ما طاب لي العيش ولا اندملت جروحي، فمازلت أيها العزيز الغائب عن الوجود حاضرًا في حياتي بما تركته لي من معين لا ينضب، وستبقى ذكراك العطرة في قلبي للأبد، فقد رحل فقط جسدك أما ذكراك فباقية معي للأبد، ولن تغيب يومًا عن سماء حياتي، فبريقها الصادق سيظل يلازمني كظلي حتى ألحق بك، لقد استودعتك الله يا أبي، وأسأله سبحانه وتعالى أن يشملك بعنايته ورحمته.
أنين الصمت
أعرف أنك رحلت كما رحل كثيرون غيرك، فهي سنة الحياة، كل شيء إلى زوال، لكن برحيلك انطفأت شمعة كانت تنير دروبي، وتزيل همومي، وتحقق أحلامي، وبرحيلك رحل السند والمرفأ والمرسى، وبرحيلك رحل حامي سكني وعزوتي، لكنه رحيل على أمل اللقاء في الآخرة بإذن الله.
للتفاعل مع الكاتب عبر sms أرسلوا: أميمة ثم فراغ ثم الرسالة إلى الرقم: 80833 (السعودية)