لكي ينهض الزواج على أسس ثابتة يجب أن يسبقه التكافؤ والتفاهم، ولابد للزواج من قبول يتحول مع الأيام إلى عاطفة وحب، حتى لا يصبح شراكة مادية سرعان ما تهددها الأنانية بالانهيار، والحب المقصود هنا هو المودة والسكن والألفة، وهو حب يرعاه العقل والفكر والطباع والحنان، وهو الحب الذي يدفع إلى التجاوز والتسامح والبذل والتضحية، وليس العاطفة المصحوبة بالمصالح، وليس حبًا طائشًا أو خياليًا.. حب يُلمس بالعقل والتوافق الديني والخلقي، ونزاهة القصد، ويكون التفاهم النفسي والمعنوي فوق أي مظاهر أو مصالح.
فهل هذا النوع من الحب لا يزال يعيش بيننا؟ وهل يبنى الزواج لدينا على هذا المفهوم؟
هناك العديد من البشر حاولوا واجتهدوا أن يضعوا مفهومًا محددًا للحب.. فما هو الحب؟ الحب هو أمور وأشياء كثيرة ومتعددة ومتنوعة ومختلفة من شخص لآخر، وقد يكون البحث عن إنسان مثالي هو الحب برغم عدم وجود هذا الشخص، وقد يكون سلوكًا يحقق احتياجات الآخر، ويوفي التزاماته، وقد يعني الجاذبية من مال ونفوذ وإعجاب، وقد يكون التقدير والاحترام والحماية والاطمئنان.
إن الحب هو أعظم مكان يتعلم فيه الإنسان مشاعر لا تشبهها أي مشاعر.. الحب مشاركة عاطفية بين اثنين يتعادلان فيها، وليس هناك مجال ليربح أحدهما ويخسر الآخر، الحب أروع إحساس يجرد الشخص منَّا من حياته القاسية، فالحب يجدد نشاطنا ويبدع في أفكارنا، وينمي ثقافتنا ويقوي إيماننا وعزيمتنا، ويعزز ثقتنا في أنفسنا، ويدعم إيجابياتنا ويحمينا من الابتذال بجميع أنواعه.. الحب هو مرحلة انتقاليه مهمة، وهو الحد الفاصل لنا بين السعادة والشقاء، فكلنا لدينا إحساس بالاحتياج للآخر، وبالحب نشعر بأن وجودنا له معنى، فالحب ليس مجرد شعور بالرغبة في إنجاب الأبناء فقط، بل هو الهروب من الوحدة والعزلة، وانتصار على الأنانية، وهو ليس مجرد عواطف ومشاعر وأحاسيس ووجدان فقط، إنما هو طاقة وعمل وفكر وإبداع وإنتاج ونجاح.
إن الحب الحقيقي يقوم على التبادل، فهو أخذ وعطاء، علاقة تنشأ بين طرفين كل منهما يكمل الآخر، وإنَّ من يعجز أن يُحب فلديه نقص في شخصيته.
لكن مع الأسف، فالبشر الآن ليس لديهم وقت ليحبوا، ولم يعد هناك وجود للعواطف الصادقة، وودعنا الحنان والرقة، فالحب الموجود على الساحة هو حب المنافع والمصالح، وحب اليوم الواحد، وحب الشهر الواحد، هو مع الآسف حب موسمي، حب إجازات، حب «طياري» حب نهاري أو ليلي، حب «مصياف» و«مسفار» و«مصياع» و«محجاج» و«مسياق»، وطالما ظل مفهوم الحب هكذا؛ فنادرًا ما سنجد حبًا صادقًا ولنقل على علاقتنا السلام!
أنين الحب
الحب أوله هزل وآخره جد.. وهو لا يوصف، بل لا بد من معاناته حتى تعرفه.
«ابن حزم»
