mena-gmtdmp

الأمومة المرهقة

أميمة عبد العزيز زاهد

قالت: ابنتي تلومني لأنني لا أعرف كيف أتعامل معها مع أنني بكل ما أعطيت من قوة أمنحها حبي وحناني وعطفي، فكنت لها الأخت قبل الأُم، اتخذتها صديقة تستمع جيداً لكل شكواها وتشاركها أفراحها، ومنحتها الثقة لتتقرب مني. وكم من المرات تحدثت معها بكلام يلين له الحديد. كانت تتأثر وبعد لحظات ينتهي مفعول الاستجابة.. مارست معها كل الأدوار بالاقتناع والحبِّ والمودة، ووعدتها بأنني سأبقى دائماً سنداً لها في جميع جوانب حياتها بشرط أن تكون الصراحة شعارنا؛ لأنَّها لن تجد أقدر مني على تفهمها والاهتمام بمصلحتها. حاولت التقرب منها واحتواءها بين ضلوعي وضمها بين أحضاني والألم يعصرني ودموعي تقهرني، وعندما فشلت طلبت منها أن تخبرني بالأسلوب الذي يناسبها لأتمكَّن من التعامل معها لأصل الحلقة المفقودة بيننا. طاوعتها وسايرتها كما تريد وكانت النتيجة أنَّها تجاوزت الخطوط وتعدَّت الحدود، وبما أنني صديقتها فليس من حقي الاعتراض على ما تقرره من أفعال ولا مخالفتها الرأي في الأمور التي لا تروق لي، وإلا سأكون متسلطة وغير متفهمة وغير صادقة في وعودي من وجهة نظرها. كم من المرات أخبرتها بأنني سأتحملها وأتفهمها مهما كان الموضوع خطيراً وحساساً، لكن الذي يحدث أنَّها تتصرف على هواها، وعندما تشعر بالخوف تخبرني، وعندما أثور عليها تقول إنني أنا من اقترحت عليها لأكون صديقتها. صحيح، لكن بالمقابل لا أكون آخر من يعلم، وتحاول إحراجي بتصرفاتها وتضعني في موقف لا أحسد عليه أمام الآخرين، بل يجب أن تخبرني قبل أن تقدِم على فعل أي أمر لنفكر فيه معاً ونقرر معاً ونرى الأنسب، لكن هيهات أن أجد صدى لكل ما أقوله. لقد تعبت وأنا أحاول أن أغوص في أعماقها حتى أصل لطريقة تجعلها تتحكم في انفعالاتها، فهي ما زالت في بداية الطريق، والحبُّ يتطلب قدراً كبيراً من الصبر والحكمة فما أتقبله وأبرره لن يتقبله غيري؛ لأنَّ أخطاءها مع الغير ستحسب عليها.

كم أتمنى أن تصارحني بما يدور في خلدها وماذا تريد، وكيف تفكر وتشعر بأنني قريبة منها أكثر مما تتصور. ليتها تحس بأنني أتمنى أن تكون في نظر كل من حولي الفتاة الناجحة المتفوقة في جميع المجالات والأفضل دائماً بأخلاقها وسلوكها وعلمها، فهي ثمار غرستي التي أتمنى أن يشهد الكل لها بالمثاليَّة، وقبلها أن أكون قد أرضيت الله في حسن تربيتي، ليتها تخبرني لماذا تتصرف بهذا الأسلوب. هل هناك شيء بيدي ولم أفعله؟ وهل كنت يوماً أنانيَّة أو قاسية أم أن حناني الزائد جعلها تتمادى في تصرفاتها؟ المشكلة أنَّها لن تشعر بكل ما أعانيه إلا بعد فوات الأوان عندما تصبح أُماً وتعرف ماذا تعني كلمة أُم، وحتى ذلك الحين لا أملك سوى دعائي ورجائي لرب العالمين أن يهديها ويحميها ويحفظها ويصلح حالها.