ليس الألم في رحيل من نحب، لكن كل الألم في رحيل أرواحنا معهم. مقولة تعني لي الكثير، فعندما أكتب عن أبي أعود كالطفلة الصغيرة التي فقدت الأمان، وتشعر بيتمها فأشتاق للبكاء بين يديه.. أشتاق لأب لن يرجع. رحمك الله يا أبي، فما زلت أكتب لك وأنت في دار الحق التي سبقتني إليها منذ ثلاثين عاماً، وكم أشتاق لمناداتك، لكني فخورة لوجود اسمك خلف اسمي وبأني أنتمي إليك، وأشعر باسمك وكأنَّه سد منيع يقف شامخاً يذكرني دوماً بأفعالك وطيبتك. أكتب لك ولا أدري هل تشعر بما في قلبي وعقلي ووجداني، وأخبرك بأنَّك أنت من كنت تشعر وتعيش آلامي وأحزاني وأفراحي فتسقيني حباً وتطعمني حناناً وتشاركني كل لحظات حياتي. أنت الرجل الوحيد الذي أمتعني بدلاله وكان سرَّ سعادتي، وكلما تذكرتك أحاول أن أتماسك؛ فقد كنت دوماً السند الذي أستند عليه في حياتي.. أفتقدك.. أجل.. أقولها وبكل ما في قلبي من مرارة. أفتقد صدرك الحنون وقلبك الكبير وحضنك الدافئ. وأحتاجك اليوم أكثر من أي وقت مضى. أحتاجك لتدعمني وتدفعني وترفع معنوياتي وتخفف هزائمي.
أبي لا يمكن لأي شخص أن يأخذ مكانك، ولن أجد بديلاً يعوضني حنانك، فقد أجد ما يشغلني بعض الوقت، لكن... صعب أن أجد من يملأ فراغاً تركه فراقك.. فمنذ رحليك والحال أصبح غير الحال، وأضحى البيت غير ما ألفناه بوجودك، فما زالت تعيش في وجداني ابتسامتك وحوارك وجلستك، خوفك وقلقك علينا، وأشمّ رائحتك التي لا تزال تعطّر مسامي. أيام سعيدة لن تغيب ذكراها عن بالي مهما طال غيابها، فقد رحلت يا الغالي وتركت بصمات لن أنساها مدى الزمن، فسامح تقصيري إن كنت سبباً في حزن قلبك يوماً ما. سامحني لأنَّي لم أقدر قيمة الوقت في لحظتها، ولم أمتع نفسي بالجلوس إلى جانبك أطول فترة ممكنة، فرحلت وأنا لم أشبع من حنانك وعطائك، فأنا في هذه الدنيا ما زلت أعمل ولا أعلم، ولا أملك سوى الدعاء لرب العباد أن يغفر ذنبك ويكرمك كما أكرمتنا حياً وميتاً.
أنين الغياب
اليوم يا أبي الحبيب كانت روحك تجوب معي في ردهات المستشفى ما بين كشوفات وتحاليل وأشعات وأدوية وغيرها؛ لأطمئن على صحتي التي كانت تهمك، وكأنك كنت تحسُّ بابنتك. لم تكف عيناي عن البكاء فاسمك الغالي سهل لي كل الأمور، ولم تحوجني لدفع المال ولا لطلب الواسطة، وبفضلك لم أحتج ولم أتذلل لأحد. يا حبيبي فأنا عشت في عزك في حياتك وحتى بعد مماتك. أبي الحبيب كم وحشني سؤالك عني عندما كنت أعود من المستشفى فأجدك تنتظرني عند الباب الخارجي بلهفة وخوف وحنان؛ لتعرف ماذا قال لي الطبيب! وأشهد الله يا أحبَّ الناس بأنَّك أحن وأطيب قلب مرَّ في حياتي. رحمك الله رحمة واسعة.
وفاء عبد العزيز