وهم اسمه ضغوط الحياة

أميمة عبد العزيز زاهد

قالت: ضاعت الخصوصية في زحمة تفاصيل الحياة الروتينية المملة، ولم يعد لدينا أنا وزوجي وقت للتعبير عن مشاعر الحب الذي جمع بيننا، رغم ما في أعماقنا من أحاسيس، وكل خوفي أن تجف مشاعرنا، وتتحول أيامنا إلى صحراء قاحلة، وتصبح مسافات البعد والجفاء أشبه بأسوار من حديد، تحجب نور القمر ودفء الشمس

فطوال النهار أكون في وظيفتي، وبعدها تأخذني تفاصيل الحياة اليومية، من متطلبات المنزل ورعاية ومتابعة الأبناء، وعندما يبدأ الليل أرتمي بجسدي المنهك المتعب بعد المجهود الذي بذلته، عندها أجد زوجي قد نام في سبات عميق بعد يوم شاق ومرهق، استنزف فيه العمل قواه البدنية والذهنية ويحتاج للراحة‏، فنحن لا نكاد نلتقي لكي نتحدث حديثاً خاصاً، أو نتبادل الآراء في شؤوننا، وتتوالى الليالي الباردة خالية من لحظة أو جلسة وصال تعيد للقلب ذكريات الأيام الدافئة، بدأت أشعر بأني وقعت في خطيئة البعاد، وقتل رغبات الروح والجسد والنفس، وزرع ذلك في أعماقي الوحشة والضجر، وتراكمت مشاعر الجفوة، وأصبحت عادة تعودت عليها، حتى تحولت الأشواق إلى رماد، بعد أن فقدنا أنا وهو قدرتنا على التواصل، وأصبحنا كآله مبرمجة تسير وفق مخطط مسبق لا نحيد عنه، وبالتالي فقدنا الحماس والهمة، وأصبنا بالجمود، بعد أن تركنا قلوبنا فريسة للإهمال، ونفوسنا تدور كالرحى في دوامة مشاغل الحياة، حتى أصابنا العطل العاطفي، بعدما خيم الملل وانحسرت العواطف، وازدادت الأعباء نتيجة للإجهاد الذي فرض نفسه علينا، واستمرت بنا الحياة حتى احتلت مشاعر الخريف قلوبنا قبل أوانها، فكيف لنا أن نلتقي وسط هذه الدوامة؟ وكيف نحيي الروح التي خلقها الله لتعلو وتسمو بالأحاسيس والمشاعر الطيبة‏؟‏ وكيف نغرس في أعماقنا مشاعر نحن أهملناها؟ إن الانشغال في البحث عن معيشة‏ أفضل، وتحمل المسؤولية العائلية يعتبر تعبيراً عن الحب، لكن من نوع آخر، وإن لم يكن بالكلمات‏‏، هو في حد ذاته أبلغ تعبير عن الحب، وإن بدا للبعض غير ذلك، وفي نفس الوقت لا ننكر بأننا نحتاج إلى الكلمة الحلوة واللمسة الحنونة، وإلى التعبير عن الحب والعاطفة المدفونة في أعماقنا من وقت لآخر.

لذا فكرت بضرورة تدارك سعادتي قبل فوات الآوان، وأن أحرص على تجديد حياتي وسط هذه الدوامة، وقررت أن أقوم بإعادة ترتيب أولوياتي، وأن أنظم وأخطط ليومي، بحيث أمنح الوقت الكافي لحياتنا العاطفية، أنا وزوجي مهما كانت الظروف، ومهما كانت الأعباء والشواغل، فالأمر يحتاج لإعادة تفكير في نمط حياتنا، ومحاولة تحسينها بقدر المستطاع، وإعطاء الوقت الكافي لإعادة نمو مشاعرنا، بدلاً من إهدارها تحت وهم اسمه ضغوط الحياة

.