هيلين بوليت دوكيسن الرئيسة التنفيذية لـدار " بوشرون": الجرأة جزء من هويتنا لتحقيق الأحلام 

هيلين بوليت دوكيسن الرئيسة التنفيذية لـدار "بوشرون"
هيلين بوليت دوكيسن الرئيسة التنفيذية لـدار "بوشرون"

منذ تعيينها رئيسةً تنفيذيةً لـدار "بوشرون" عام 2015، تحمل هيلين بوليت دوكيسن على عاتقها تكريم إرث المؤسِّس فريديريك بوشرون، والتعبير عن تاريخ العلامة العريقة وحرفيتها وقيمها ضمن عالم المجوهرات الراقية، لا سيما أنها من الدور التي تحافظ على جذورها التاريخية، بالتوازي مع تعزيز الإبداع والابتكار عبر مجموعاتها الجميلة. الثنائية الناجحة ما بين هيلين وكلير شوان، المديرة الإبداعية، ودور "بوشرون" في مد جسور التواصل بين الأجيال المختلفة، ضمن حوار ممتع أجريناه مع الرئيسة التنفيذية هيلين بوليت دوكيسن، التي قدَّمت في سياق حديثها صورةً شاملةً عن تاريخ الدار وحاضرها، وتطلُّعاتها المستقبلية.


حوار: لمى الشثري 


هيلين بوليت دوكيسن

 

هيلين بوليت دوكيسن


الثمانينيات بوصفها مصدرَ إلهامٍ

 

من مجموعة 'بوشرون' More is More


عناصر الفرح المبهرة، والروح الحرَّة، والفن، هيمنت على "More is More"، ما مدى أهمية إعادة تجديد روح "بوشرون" بطرقٍ مختلفةٍ من مجموعةٍ لأخرى؟


أقوم وكلير دوماً بإلقاء نظرةٍ جديدةٍ على أرشيف "بوشرون"، ونختار معاً الموضوع الذي نريد التحدُّث عنه، وتأتي تصاميمنا من العقل ومن القلب، وهذا ما يجعلها شخصيةً جداً، ومختلفةً من شخصٍ لآخر، لأنها تأتي في الواقع مثل نوعٍ من الأحلام، وكأمرٍ نريد التحدُّث عنه، أو شيءٍ نفكِّر فيه. لطالما أرادت كلير التحدُّث عن العالم الواسع كما كانت تراه منذ أن كانت مراهقةً صغيرةً في الثمانينيات الميلادية، إذ كانت في حاجةٍ إلى بعض المرح، وكما تعلمون عندما قرَّرنا العمل على المجموعة كنا في فترة الإغلاق، ومكتئبين للغاية في فرنسا، وفي حاجةٍ إلى بعض المحاولات التي تخرجنا من ذلك الجو، لذا فكَّرت كلير في الثمانينيات بوصفها مصدرَ إلهامٍ، وقرَّرت تقديم المجموعة بهذا النمط.

يمكنك متابعة الحوار على نسخة سيدتي الديجيتال على هذا الرابط هيلين بوليت دوكيسن
 


نقدِّر الابداع المفعم بالفرح والطاقة الإيجابية المطلوبة في الواقع، هل تعتقدين أن هذا يمثِّل تفسيراً لشعار فريدريك بوشرون "أنا لا أفرض، أنا أقترح"؟


يجدر الحديث هنا عن أمرَين مختلفَين، الأول أن فريدريك بوشرون كان مبدعاً جداً، ليس فقط في الطريقة التي كان يمارس بها أعماله، بل وفي الناحية الفنية أيضاً. في ذلك الوقت، في نهاية القرن الـ 19 وبداية القرن الـ 20، فرض نفسه شخصاً مبتكراً للغاية، لذا نعتقد أنه يُسمح لنا بالابتكار حتى اليوم، فتلك هي مهمتنا الأساسية، وذلك هو واجبنا، ودورنا الذي وُجدنا لنقوم به، وعلينا أن نستمرَّ في الابتكار والتقدم نحو تحقيق أحلامنا الرئيسة. قول فريدريك بوشرون "أنا لا أفرض، أنا أقترح فقط"، هو أحد المعايير التي نتمسَّك بها في "بوشرون"، ويقوم هذا المعيار بشكلٍ أساسٍ على التركيز على العميل، فنحن في الدار نؤمن بأن السبب وراء حصولنا على كثيرٍ من الثقة، وتقديمنا عديداً من المجموعات المختلفة والعناصر الجمالية المتنوعة، أننا نريد لعملائنا أن يكشفوا عن شخصيتهم وأسلوبهم من خلال القطع التي يختارونها من "بوشرون". ولا يزال هذا الشعار قائماً حتى اليوم، فنحن لا نريد أن نفرض نظرتنا، كأن نقول للعميل مثلاً إنه يتعيَّن عليك شراء هذه القطعة، لأنها تمثِّل القوة، أو تدلُّ على أمرٍ ما، بل نريد للقطعة نفسها أن تكون شخصيةً أكثر، وأن يختارها العميل لأنها تمثِّل ذاته بالفعل. قلةٌ قليلةٌ من الناس يعرفون أنه عندما بدأ فريدريك بوشرون عمله في باريس، لم يكن في البداية يصمِّم القطع ويصنعها، بل كان ينسِّق، ويختار القطع، وهذا ما جعله مشهوراً، لأن العملاء كان يأتون إليه، فيختار لهم القطع المناسبة في ذلك الوقت، وبعدها قرَّر إطلاق مشغلٍ خاصٍّ به، وصناعة تصاميمه بنفسه، وعيَّن عدداً من الحرفيين، وهذا التاريخ لا يزال محفوراً في هوية العلامة التجارية حتى اليوم.


اتجاهاتٌ جديدةٌ في عالم المجوهرات الراقية


كما أعلم أنتِ من محبي الفن والكتابة منذ الطفولة، كيف أثَّر ذلك في الطريقة التي ترين بها أعمال كلير وأفكارها؟


ربما يكون هذا أحد الأسباب الرئيسة في كوننا نعمل معاً بنجاحٍ ; كلير وأنا، فقد كنت دوماً أحلم بأن أصبح فنانةً، لكنَّ عائلتي لم ترغب في ذلك، وكانوا يطلبون مني اختيار مجالٍ أفضل للعمل في فرنسا، لكنني عملت كثيراً لأطور ذاتي، وأقود اليوم دار بوشرون. أرى أن كلير فنانةً مميزةً، وهي على الأرجح الفنانة الأكثر إبداعاً في مجال الأعمال، والأكثر تنظيماً على الإطلاق، وهذا سرُّ علاقتنا الجيدة، إذ نمتلك طريقة التفكير ذاتها، كما أننا منظَّمتان ومبدعتان للغاية، ومتشابهتان جداً حتى في الشخصية. نحن مندفعتان دائماً نحو التميُّز، ولا نقبل أبداً بالسلبية، ولا عبارة "غير ممكنٍ"، فكلانا عنيدتان جداً عندما تكون لدينا رؤيةٌ، ونسعى إلى تحقيقها، وأعتقد أنه من السهل بالنسبة لنا العمل معاً لهذه الأسباب.


كيف تصفين عالم المجوهرات الراقية كما نراه اليوم؟


اليوم، وعالمياً، أعتقد أن عالم المجوهرات الراقية أو سوق المجوهرات، أصبح مختلفاً عما كنا نعرفه في الفترة الأخيرة، فهناك اتجاهاتٌ جديدةٌ، كما أن العملاء الأصغر سناً صاروا يشترون المجوهرات الراقية، ولم يكن الأمرُ كذلك قبل أعوامٍ قليلةٍ. هذه الأجيال الجديدة أكثر تقبُّلاً وتفاعلاً وإبداعاً مقارنةً بآبائهم الذين يعدُّون أكثر كلاسيكيةً وتحفُّظاً، وكانوا يفكرون دائماً في المجوهرات بوصفها نوعاً من الاستثمار. عليه فإن هذا السوق أصبح أوسع، لأنه بات لدينا نوعان من العملاء، الكلاسيكي الأكثر تقليديةً مع التفكير بالاستثمارات الكبيرة، وجيل الشباب الذين يشترون إبداعات الفن المعاصر، ويغوصون في الإبداع، ويعبِّرون عن ذلك حتى في طريقة التزيُّن بالمجوهرات.

عندما أتيت إلى المملكة العربية السعودية قبل عدة أشهرٍ، شعرت فعلاً بأن البلاد مزدهرةٌ، وأحسست بفخرٍ كبيرٍ تجاه تمكين المرأة، لأنني أهتمُّ كثيراً بهذا الشأن، فأنا وكلير نشكِّل ثنائياً نسائياً، يرأس الشركة، لذا نعتبر هذا موضوعاً حقيقياً بالنسبة لنا
هيلين بوليت دوكيسن


نروي الحكايات

 

فريدريك بوشرون


أرشيف "بوشرون" حاضرٌ دائماً في المجموعات الجديدة، لكنكِ أيضاً تحتفين بعناصر المرح، وذكرنا هذا الترابط بينكِ وبين كلير. شخصياً ماذا تعني لكِ هذه العناصر الممتعة؟


أنا وكلير غير محدودتين بحريتنا فيما يتعلَّق بالإبداع، وهذا لا يُشعرنا بأي قلقٍ. ربما كلير تكون قلقةً أحياناً، لكنني أعمل على طمأنتها، ونُجري مناقشاتٍ لطيفةً، لأنني أشعر بأن جزءاً من وظيفتي حمايتها في مجال إبداعنا، أي أن تجد، عندما تشعر بأنها تبالغ في أمرٍ ما، مَن يدعمها. أقول لها دائماً إن عليها التمسُّك بتحقيق أحلامها، وهذا الدعم يُشعرها بالاطمئنان. وكما قلت سابقاً، الجرأة من أساسيات هوية العلامة عبر التاريخ، أما بالنسبة لي فالجرأة ليست أمراً مخيفاً، لكن بالطبع نخوض أحياناً نقاشاتٍ ممتعةً مع الأشخاص المعنيين بالأعمال، لأنهم يرون أننا نذهب بعيداً جداً في تطلُّعاتنا، ولا أشعر بالخوف من الإقدام على أشياءَ غير اعتياديةٍ، لأن عملية البيع ليست الأهم بالنسبة لي، فبعض القطع تعبِّر عن الجوانب الفنية لدينا، وعن حريتنا، وأعتقد أنها قطعٌ إبداعيةٌ، ونحن نروي قصةً معينةً من خلالها، وكل منتَجٍ لدينا وسيلةٌ لرواية القصص.
نعم، أؤمن بأننا في "بوشرون" رواة قصصٍ، قصص تحكي عن قيمتنا، وعن رغبتنا في ملاحقة الأحلام، وتخطي الحواجز، وبالنسبة لي، إنه أمرٌ ممتعٌ جداً، وإن لم أقم به بهذه الطريقة، وإذا لم أفعل الأشياء بشكلٍ مختلفٍ، وإذا لم أبتكر، فسأشعر بالملل بالتأكيد.
ومن عالم المجوهرات أيضأً اخترنا لك اللقاء مع تايلر إليس


تطوير الواجهة


أعتقد أن ما ذكرتِه هو المفتاح بأن القيمة ليست فقط في الجزء التجاري بقدر ما هي مهمةٌ ترتبط بصناعة التاريخ وتقديم أشياءَ ستراها الأجيال القادمة أيضاً ..


نعم، فكل هذا يتعلَّق بالمشاعر والحب أكثر مما يتعلَّق بممارسة الأعمال التجارية. كانت لدي رؤيةٌ تتخطى حدود الأعمال، وكنت مؤمنةً بأنه إذا كنا صادقين في الطريقة التي نروي بها حكاياتنا، والطريقة التي نقدِّم بها حبنا وعواطفنا لعملائنا، فإن مردود ذلك سيكون كبيراً ورائعاً جداً علينا.

قلةٌ من الناس يعرفون أنه عندما بدأ فريدريك بوشرون عمله في باريس، لم يكن في البداية يصمِّم ويصنع المجوهرات، بل كان ينسِّق، ويختار القطع المناسبة للعملاء، وهذا ما جعله مشهوراً
فريدريك بوشرون


التوسُّع في السعودية

 

من مجموعة 'بوشرون' Animal Novelties


عملنا من خلال "سيدتي" مع "بوشرون" للإعلان عن افتتاح متجرها في "مركز المملكة"، حين دعونا السيدات السعوديات الرائدات والقياديات في مجالات مختلفة، للتواصل بشكلٍ أوثق مع الدار، كيف تصفين أهمية وجود هذه العلاقة مع المجتمع؟


أعتقد أن إحدى نقاط قوتنا أننا نتمتَّع بعلاقةٍ حقيقيةٍ وصادقةٍ وعاطفيةٍ مع بعض المجتمعات. عندما أتيت إلى المملكة العربية السعودية قبل تسعة أشهرٍ، شعرت فعلاً بأن البلاد مزدهرةٌ، وأنها شهدت تحولاً هائلاً في الأعوام الأخيرة، وأحسست بفخرٍ كبيرٍ بالنسبة لواقع تمكين المرأة، لأنني أهتمُّ كثيراً بهذا الشأن، فأنا وكلير نشكِّل ثنائياً نسائياً، يرأس الشركة، لذا نعدُّ هذا موضوعاً حقيقياً بالنسبة لنا. أما بالنسبة للنساء في المملكة العربية السعودية فالأمر مختلفٌ، فعندما أتيت العام الماضي، تناولت الغداء مع بعض النساء، لأنني أردت أن أفهم كيف تسير البلاد، وأدركت أن السعودية أصبحت مبدعةً للغاية، وهناك كثيرٌ من المصممين الجدد، وكثيرٌ من ريادة الأعمال، ونحن فخورون جداً بذلك في "بوشرون"، والتواصل مع هذا المجتمع أمرٌ منطقي تماماً، وخطوةٌ قويةٌ جداً بالنسبة لنا. الأمر لا يقتصر فقط على ممارسة الأعمال التجارية، بل ويشمل أيضاً القيم والصورة التي نريد أن نحافظ عليها.


"بوشرون" تهدف إلى بناء جسورٍ بين الأجيال، وهو أمرٌ نفهمه في "سيدتي"، لأننا نبني أيضاً جسوراً بين الأمهات والبنات، وعليه أسألكِ ما مدى أهمية الأمر في رأيكِ، وكيف يتمُّ تنفيذه في ظل هذه الاستراتيجية من "بوشرون"؟


نحن لا نستهدف جيل الشباب خاصةً، بل إنَّ الأمر يأتي بشكلٍ طبيعي، لأنه جزءٌ من العمل بصفةٍ عامةٍ، وجيل الشباب يُقبلون على المجوهرات عندما يريدون الزواج، وهناك مجموعةٌ كبيرةٌ من العملاء الشباب المهتمين بالمجوهرات، وأرى أنها تدور حول العاطفة، فهي شيءٌ لا يمكن التخلي عنه أبداً، فأنتِ ستعطينها لابنتكِ، وهي ستعطيها لابنتها، لذا هي شيءٌ تتوارثه الأجيال، ونوعٌ من التراث الذي يتمُّ تناقله من الجيل القديم إلى الجيل الجديد، وهو ما يُشكِّل إضاءةً على تاريخ المجوهرات، وهذا السببُ وراء أهمية ربط الأجيال معاً، فأنتم عندما تقدِّمون المجوهرات لابنتكم، بصفتكم أباً أو أماً، في "يوم ميلادها"، أو تخرُّجها، إنما تقومون بأمرٍ مهمٍّ جداً في حياتكم. أعتقد أنه من المهم سرد الحكايات من خلال العلامة التجارية، فالجيل الجديد يحمل روحاً جديدةً، لكنه في الوقت نفسه، يحترم التاريخ، والجيل الأقدم، وأرى في هذا رابطاً جميلاً بين تاريخ المجوهرات وتاريخ العائلة. أما إذا أردنا أن نتحدَّث عن خطط الاتصال والتواصل، فهي بلا شكٍّ مختلفةٌ تماماً عن الماضي، ففي السابق كان كل شيءٍ يتعلَّق بالطباعة، بينما يتعلَّق اليوم بوسائل التواصل الاجتماعي، لذا بالطبع أصبحنا نظهر أكثر بطريقةٍ تمكِّننا من التواصل مع الأجيال الأصغر سناً، لأنهم مهمُّون بالنسبة لنا، فنحن الآن نستخدم "تيك توك" على سبيل المثال، وعلى الرغم من أننا غيَّرنا الطريقة التي نستخدمها للتواصل، إلا أنني أؤمن بأن الفلسفة وراء ذلك لا تزال هي نفسها فيما يتعلَّق باحترام الماضي، والتوجُّه نحو المستقبل، وأن كل جيلٍ يعيد تقديم شيءٍ جديدٍ.


بيئة عملٍ تحاكي الشغف


ما الذي يُبقي هذا الشغف حياً، وما الذي يمنحكِ السعادة في الحياة ويجعلكِ تستمرِّين في العمل والعطاء؟


الأمر بسيطٌ. أنا لا أشعر بأنني أقوم بوظيفةٍ، وقد فأجاني أحد أبنائي ذات مرَّةٍ، وهو في الـ 16 من عمره، وكنت حينها أقدِّم له نصيحةً حول ما يجب أن يفعله في الحياة، حيث استوقفني وقال لي: "أمي توقفي عن إعطائي النصائح، فأنتِ لم تكوني تعملين، كنت تستمتعين فقط"! نظرت إليه وأنا أشعر بالصدمة، وقلت له: "هذه نظرةٌ جيدةٌ جداً للأمور"، ونصحته بألَّا يحاول العثور على وظيفةٍ، بل أن يبحث عن مكانٍ فيه بيئة عملٍ، تتيح له أن يكون شغوفاً بما يفعله وبذلك لن يشعر أبداً بالضغط وعدم السعادة، وسيكون مثلي في "بوشرون" سعيدةً ومرتاحةً. أظن أنني محظوظةٌ جداً، وفي كثيرٍ من الأحيان أثناء قيامنا بالأعمال، نجد أنفسنا نمرح ونضحك، ثم نتساءل: هل نحن نعمل اليوم؟ مثلاً عدنا للتو من اليابان، وقضينا يوماً كاملاً هناك نشارك في دورةٍ تدريبيةٍ حول عمل "الإيكيبانا"، وهو فن تنسيق الزهور في اليابان، مع الفتيات المرحات من فريقي، منهن كلير ومديرة الاتصالات والتسويق.
نقترح عليك أيضًا متابعة هذا اللقاء مع بسمة شاعري مصممة مجوهرات