الشيخ الدكتور صالح الفوزان: هذه شروط الاجتهاد ومجالاته

مرتبة الاجتهاد مرتبة عالية لا يصل إليها إلا الجهابذة من العلماء، وإن مما يدعو للعجب أنك تسمع أحياناً صغار طلاب العلم ومن هم في بدايات الطلب يرخصون لأنفسهم الخوض في هذا الباب ويقول أحدهم إنه اجتهد في مسائل ولم يبلغ مرتبة المجتهد بعد. ولعل من المناسب في هذا المقام وفي هذا الوقت الذي انتشر فيه المدعون أن نتحدث عن الاجتهاد. لنعرف شروطه وضوابطه وما يتعلق به نلتقي في هذا العدد بفضيلة الشيخ الدكتور صالح بن فوزان الفوزان، عضو هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية عضو اللجنة الدائمة للإفتاء.

 ما تعريف الاجتهاد فضيلة الشيخ؟

ـ الاجتهاد لغة: بذل الوسع والمجهود ـ مأخوذ من الجهد (بضم الجيم) وهو الطاقة ـ كما في قوله تعالى: (لا يجدون إلا جهدهم) فهو في اللغة عبارة عن استفراغ الوسع في أي فعل كان، وأما الاجتهاد في اصطلاح الأصوليين فهو: بذل المجهود في العلم بأحكام الشرع. وبين التعريف اللغوي، والتعريف الاصطلاحي عموم وخصوص، فالتعريف الاصطلاحي أخص من التعريف اللغوي، إذ التعريف اللغوي يعم بذل الوسع في تحصيل أي شيء يحتاج تحصيله إلى بذل وسع، أما التعريف الاصطلاحي فإنما يعني بذل الوسع في معرفة الحكم الشرعي خاصة.

 ما الأصل في شرعية الاجتهاد؟

ـ الأصل في الاجتهاد قوله تعالى: (يحكم به ذوا عدل منكم)، إذ من المعلوم أن الحكمين يجتهدان في الجزاء المناسب في الصيد الذي يقتله المحرم متعمداً، وقوله تعالى: (وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث). داود وسليمان عليهما السلام حكما بالاجتهاد بدليل قوله تعالى في الآية التي تليها (ففهمناها سليمان) ، ولو حكما بالنص لم يخص سليمان بالتفهيم، والدليل في السنة قول الرسول: «إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران».

 

 محل الاجتهاد

 فيم يكون الاجتهاد ؟

ـ الأحكام التي تكون محلاً للاجتهاد هي أحكام الفروع التي تستنبط من الأدلة التفصيلية، وهي أحكام الفقه، كتفاصيل العبادات والمعاملات والأنكحة والجنايات وأحكام الأطعمة، أما أمور العقيدة فهي توقيفية ليست محلاً للاجتهاد وإنما يتوقف فيها على الدليل.

 متى وجد الاجتهاد في هذه الأمة؟

ـ وجد الاجتهاد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فقد قال معاذ رضي الله عنه: «اجتهد رأيي» وصوبه النبي وقال لعمرو بن العاص: «احكم في بعض القضايا فقال: اجتهد وأنت حاضر فقال: نعم إن أصبت فلك أجران، وإن أخطأت فلك أجر» (صحيح البخاري) وفوض الحكم في بني قريظة إلى سعد بن معاذ رضي الله عنه وصوبه.

قال الإمام ابن القيم ـ رحمه الله ـ: وكان الجليل تلك الأسفار الضخمة التي تزخر بها المكتبات الإسلامية، إنها كتب الفقه الإسلامي التي نعتز بها ونجد فيها حلولاً لمشكلاتنا، ونجد فيها أكبر عون على فهم الكتاب والسنة، فجزاهم الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، ووفق الله الخلف للانتفاع بعلم السلف.

 

شروط الاجتهاد

 ولما كان منصب الاجتهاد بهذه الخطورة فقد وضع العلماء شروطاً لمن يتولى هذا المنصب، لأجل تلافي الأخطار الناجمة عن اجتهاد من لا تتوفر فيه تلك الشروط، واعتبار اجتهاده غير معترف به، ولا يجوز العمل به وهذه الشروط كما يلي:

1- إحاطة المجتهد بمدارك الأحكام المثمرة لها، من كتاب وسنة وإجماع واستصحاب وقياس، ومعرفة الراجح منها عند ظهور التعارض، وتقديم ما يجب تقديمه منها كتقديم النص على القياس.

2- علمه بالناسخ والمنسوخ ومواضع الإجماع والاختلاف، ويكفيه أن يعلم أن ما يستدل به ليس منسوخاً، وأن المسألة لم ينعقد فيها إجماع من قبل.

3- معرفته بالعام والخاص، والمطلق والمقيد، والظاهر والمؤول، والمجمل والمبين، والمنطوق والمفهوم، والمحكم والمتشابه.

4- معرفته بما يصلح للاحتجاج به من الأحاديث من أنواع الصحيح والحسن، والتمييز بين ذلك وبين الضعيف الذي لا يحتج به، وذلك بمعرفته بأسباب الضعف المعروفة في علم الحديث والأصول.

5- أن يكون على علم بالنحو واللغة العربية يمكنه من فهم الكلام. تلك أهم الشروط التي لا بد من توافرها في المجتهد، والعدالة ليست شرطاً في أصل الاجتهاد، وإنما هي شرط في قبول فتوى المجتهد، ولا يشترط كذلك حفظه لآيات الأحكام وأحاديثها، بل يكفي علمه بمواضعها في المصحف وكتب الحديث، ليراجعها عند الحاجة.

تفاصيل أوسع تابعوها في العدد 1525 من مجلة "سيدتي" المتوفر في الأسواق.