المهندس كريم مختجيان: لهذه الأسباب قررت السكن تحت الأرض

المهندس كريم مختجيان
المهندس كريم مختجيان

في حي الظاهر بيبرس، الذي بُني خلال القرنِ الـ 16 وسطَ القاهرةِ، العاصمةِ المصريةِ، وُلِدَ المهندسُ كريم مختجيان Karim Mekhtigian، وتحديداً عام 1962، لعائلةٍ أرمنيةٍ شهيرةٍ، عُرِفت بنشاطها في مجالِ الإنتاجِ السينمائي وقتها، فشقيقُ والدته، هو المنتجُ تاكفور أنطونيان، الذي أنتج أفلاماً عدة للسينما المصرية، من أشهرها «خلي بالك من زوزو» للراحلةِ سعاد حسني. درسَ السينما والمسرحَ والتصميمَ المعماري والديكورَ في فرنسا، وعملَ في المجالين بمصر، قبل أن يُطلقَ شركته لتصميمِ المنتجاتِ والديكور، ويُقدِّم فيها قطعاً مستوحاةً من الحضاراتِ المصرية. «سيدتي» التقت المهندس كريم، فألقى الضوءَ على مسيرته العمليَّة، بما فيها من محطاتٍ مهمَّةٍ، وأسلوبه في العمل.
 

تنسيق : سارة مرتضى 
حوار : مصطفى عبدالعال 
تصوير: يحيى العلايلي


كريم مختجيان

                                                                           تصميم مستوحى من البيئة المصرية القديمة يعطي راحةً نفسية



بدايةً، عرِّفنا على نفسك؟

كريم مختجيان من أصلٍ أرمني، وُلِدت في أحدِ أهمِّ الأحياءِ القديمةِ بالقاهرةِ، العاصمةِ المصرية، وهو حي الظاهر بيبرس، ومثلَ الغالبيَّةِ من أبناءِ الطائفةِ الأرمنيَّةِ، تعلَّمتُ في المدرسةِ الأرمنيَّةِ، وبعد أن أنهيت المرحلةَ الثانويَّةَ، انتقلتُ إلى فرنسا، ودرستُ هناك السينما والمسرحَ، والتصميمَ المعماري والديكور، وحصلتُ على درجةِ الماجستير، ثم رجعتُ إلى مصر، وعملتُ لمدة ستةِ أشهرٍ في مجالِ التصميمِ المعماري، إضافةً إلى العملِ في شركةِ خالي تاكفور أنطونيان للإنتاج السينمائي، لكن مع الأسفِ، لم أستطع التأقلمَ. عدتُ إلى فرنسا مجدداً، وعملتُ في التصميمِ الداخلي للعمارةِ، وبعدها بثلاثةِ أعوامٍ، أنشأتُ شركتي الخاصَّة بتصميمِ المنتجاتِ والديكورِ، ودخلتُ معارضَ عدة، وحصلتُ على جوائزَ متنوِّعةٍ مستعيناً بشغفي في تقديمِ منتجاتٍ مستوحاةٍ من الثقافةِ المصريةِ والحضاراتِ المتعاقبةِ على البلاد الفرعونيَّة، والقبطيَّة، والإسلاميَّة، وتعاونتُ مع مجموعةٍ من الوكالاتِ العالميَّةِ في مجالِ الفنِّ والتصميمِ المعماري.


ما الذي أغراكَ بالعملِ في فرنسا، ولماذا قرَّرت العودةَ إلى القاهرةِ؟

أقمتُ في فرنسا 15 عاماً على الرغم من أنني لم أتأقلم مع الحياةِ هناك، خاصَّةً من الناحيةِ الاجتماعيَّةِ، وقد يكونُ سببُ ذلك حبِّي ورغبتي في العودةِ والعيشِ بمصر حيث العائلةُ والنشأةُ. وقد شاركتني زوجتي في هذه الرغبة، فقرَّرت تقسيمَ عملي بين الدولتَين، واستأجرت شقَّةً صغيرةً عند أحد أصدقائي، وحوَّلتها إلى مكتبٍ هندسي وسطَ العاصمةِ. عملتُ في هذا المكتب على مشروعاتٍ مختلفةٍ مثل المكاتبِ، والمطاعمِ، والبيوتِ، والمحلاتِ، إضافةً إلى التصاميمِ الداخليَّةِ، والمنتجاتِ التجاريَّةِ. تدريجياً أصبح المكتبُ الصغيرُ شركةً قابضةً، وزملاءُ العملِ شركاءَ، وتعاقدنا مع «نايل بيلدنج»، و«جنزوري»، و«إيمبكس». وبمساعدةٍ من محمد فارس، ورانيا لطفي، وإيمان حسين، بدأت الشركةُ في النمو، لتضمَّ اليوم 180 عضواً، إلى جانبِ شراكاتٍ مع جهاتٍ عدة في الخليجِ العربي، وأوروبا، وأمريكا.


شركتُك القابضةُ تحملُ اسمَ «كامي»، لماذا اخترته؟

الاسمُ مشتقٌّ من كلمةِ «خيمياء»، المشتقَّةِ بدورها من «كيمي»، وهو الاسمُ الذي كان يُطلَق على مصر في العهد القبطي، ويعني «الطينة السوداء». واخترته تحديداً لتأكيدِ ارتباطِ شركتنا بالأرض دائماً.


هل استشرت عائلتكَ حولَ مجالِ دراستِك، ثم عملِك، خاصَّةً أنك تنتمي إلى أسرةٍ تنشطُ بالفنِّ؟

بالفعل، فخالي تاكفور أنطونيان منتجٌ سينمائي معروفٌ، والآخرُ أنيس مجدي مهندسٌ معماري في السعودية، أمَّا والدي فكان لديه مصنعٌ كبيرٌ للخراطة.

والدي كان يرغبُ في أن أكملَ مشوارَه في المهنةِ، وكذلك الحال مع خالي تاكفور، لكنني رفضتُ ربطَ مسيرتي العمليَّة بـ «الوراثة». لذا سافرتُ إلى فرنسا لاكتشافِ نفسي، وعشتُ هناك حياةً قاسيةً، في دراستي وعملي، وتمكَّنتُ في النهايةِ من بناءِ مستقبلٍ متميِّزٍ في اختصاصي، متسلِّحاً بتوجيهاتِ والدي، الذي زرعَ داخلي «عدمَ الخوفِ من المستقبلِ»، فإمَّا أن أكون أو لا أكون.


ماذا عن زوجتِك وأبنائِك، هل يعملون في المجالِ نفسه؟

زوجتي من أصولٍ فرنسيةٍ، وتعملُ في مدارس «الليسيه»، ولدينا ثلاثةُ أبناءٍ: ابنتان توأم وولدٌ. يعيشُ ابني في فرنسا، ويعملُ في الإنتاج السينمائي، ولدي ابنةٌ تعملُ في الإخراج. طوال عمري لم أجبر أياً منهم على فعلِ شيءٍ لا يريده، في الدراسةِ والعملِ، وتركت لهم حريَّةَ اتِّخاذ قراراتهم بأنفسهم حتى يتحمَّلوا نتيجةَ خياراتهم في الحياةِ، مع الاكتفاءِ بتقديمِ المشورةِ لهم فقط.


درستَ السينما، ومع ذلك اتَّجهت إلى التصميمِ المعماري، لماذا؟

العملُ بالفنِّ في فرنسا، في بدايةِ حياتي هناك، كان صعباً للغايةِ، فلا يمكنُ أن تعيشَ حياةً ماديَّةً مستقرَّةً وأنت تكتفي بعملِك في المجالِ الفني بهذه الدولة، لذا استندت إلى دراستي في تخصُّصِ هندسةِ العمارةِ والديكور. خضت العملَ في هذا المجالِ، ونجحتُ فيه، وحقَّقتُ عوائدَ ماديَّةً جيدةً، ساعدتني في عيشِ حياةٍ أسريَّةٍ معقولةٍ. وللعلم، العمارةُ والهندسةُ الإنشائيَّةُ مجالُ عملٍ جيدٌ في مصر والمنطقة العربية، خاصةً إذا امتلكت المهاراتِ اللازمةَ، والأفكارَ المبدعةَ.

يمكنك متابعة الموضوع على نسخة سيدتي الديجيتال من خلال هذا الرابط

 

 

الكمان هو ذكرى من خال المهندس، المنتجِ الراحل تاكفور أنطونيان

 

 

 


«تمصير التصاميم»

 

العود هو ذكرى من خال المهندس، المنتجِ الراحل تاكفور أنطونيان


في مجالِ التصميم، ما مدى التوافق والاختلاف بين الطرازَين العربي والأوروبي؟

هناك اختلافاتٌ كثيرةٌ بين الطرازَين، كما أن رغباتِ الناس تختلفُ، لذا يجبُ على صاحبِ العملِ أن يتأقلم مع الوضعِ الجديدِ حتى يستمرَّ وينجح، فالحرفيَّةُ أن تُطبِّق ما تعلَّمته من أمورٍ جيدةٍ بطريقةٍ مقنعةٍ للعميل.
لأضرب مثالاً على ذلك، الشخصيَّةُ المصريةُ المتمثِّلةُ في الحضاراتِ الفرعونيَّةِ والقبطيَّةِ والإسلاميَّةِ المحرِّكُ الأساسُ في عملي، فكلُّ تصميمٍ أقدِّمه، يرتبطُ بالتراثِ الثقافي، والبيئةِ المُعاشة، وتكمنُ الإشكاليَّةُ التي نعاني منها حالياً في الفصلِ عمَّا هو موجودٌ ومتوارثٌ في مجتمعنا، الأمرُ الذي جعلنا نستوردُ كلَّ ما يتعلُّق بالحياةِ على الرغم من وفرته في هذه البيئةِ القديمةِ! اليوم، لم نعد نبحثُ عمَّا هو موجودٌ لدينا، فنحن «طبقاتٌ بنائيَّةٌ تاريخيَّةٌ»، بدءاً من الفراعنةِ، وحتى عصرنا هذا. عندما تتجوَّلُ وسطَ القاهرةِ، تجدُ طبقاتٍ مختلفةً، وطرزاً متعدِّدةً، تعملُ معاً في تناغمٍ وانسجامٍ. هناك مثلاً الطرازُ الإسلامي، والإيطالي، والإنجليزي، واليوناني، وهذا ما لا نراه في أي مكانٍ بالعالمِ. حقاً إنه تنوُّعٌ غريبٌ وناجحٌ. عندما تذهب إلى فرنسا، تجدُ كل شيءٍ فرنسياً، وهذا ينطبقُ على الدولِ الأخرى. الخللُ حدثَ حينما تجاهلنا التنوُّعَ في بلادنا، واعتمدنا على مجالٍ واحدٍ، وحالياً أحاول «تمصير التصاميم» التي أقوم بإعدادها، وأتمنَّى النجاحَ في ذلك.


ما الذي يميِّزُ تصاميمك ويجعلها مختلفةً؟

كلنا مختلفون. الفرقُ يكمنُ في طريقةِ التفكير، وكيفيةِ تطبيقِ عناصرِ العمل، ومستوى الجودةِ فيه، والخدماتِ المطلوبة. كلُّ ذلك مهمٌّ بالنسبةِ لي، لأنني أقومُ بتصميم مكانٍ، سيعيشُ فيه أشخاصٌ معيَّنون، وهذا المكانُ يجبُ أن يساعدهم في تطوير حياتهم، سواءً كان مقرَّ عملٍ، أو مسكناً شخصياً. هذا المشروعُ يجبُ أن يستند إلى سيناريو، يؤهل العميل ويساعده في التطوُّر والنمو خلال حياته، وهذا يحتاجُ لأن يرتبطَ المكانُ بالثقافةِ التي ينتمي إليها.

وفق هذه الرؤيةِ، كيف تقومُ بتصميمِ بيتٍ لشخصٍ ما؟

أعقدُ بدايةً ورشَ عملٍ معه، وأستخلصُ منه خلال حديثنا ما الذي يحبُّه ويتمنَّاه، وأتعرَّفُ كذلك على ثقافته، وإذا كانت مطالبُه غير متناسبةٍ مع طبيعته الشخصيَّة، التي تتضحُ لي أثناء اللقاءِ، فحينها أحاولُ إعادته إلى المسارِ الصحيحِ. بعض الناسِ يعيشون في «بالونٍ هوائي»، ولا يعرفون ما يناسب شخصياتهم! مجرَّدُ «وعاءٍ مالي» لا أكثر! لذا يحتاجون إلى مَن يساعدهم في اكتشافِ هويَّتهم، والعيشِ بها بما يسهم في تطويرِ أنفسهم.


صمَّمت لطبقاتٍ مختلفةٍ من المجتمع، دبلوماسيين وسياسيين وفنانين ومهندسين وأطباء، كيف تعايشت مع طلباتهم، وهل وجدت صعوبةً في ذلك؟

بالفعل. هناك اختلافاتٌ كثيرةٌ جداً بين العملاءِ الذين تعاملت معهم، لكن ما جمعهم عدمُ المعرفةِ جيداً بالمجالِ، ليس عن جهلٍ، بل عن عدمِ وعي، لذا كانت طلباتُهم متوافقةً فقط مع تفكيرهم دون الانفتاحِ على فضاءاتٍ أخرى أكثر جمالاً وتقدُّماً، وهذا ما حاولت مساعدتهم فيه. يحدثُ عندما يطلبُ العميلُ طرزاً متنوِّعةً لتصميمها، وتكون موجودةً في أماكنَ مختلفةٍ بالعالم، أن نقومَ باصطحابه إلى تلك الأماكن لتلمُّس ما يرغبُ في إنشائه بالتصميمِ على أرضِ الواقع.

كيف تتعاملُ مع مشاهيرِ الفنِّ خلال التصميمِ لهم؟

لا أتعاملُ معهم كثيراً. أسَّستُ بيتَ حورية فرغلي، ومنة شلبي، وأحمد السقا، وشيرين عبدالوهاب وآخرين، وساعدتهم في تحقيقِ ما طلبوه من تصاميمَ. تكمنُ صعوبةُ التعاملِ مع المشاهير في الالتقاءِ بهم خلال مراحلِ الإعدادِ وأثناء العملِ، فعادةً ما يختفون عن الأنظارِ، وأعاني للاجتماعِ بهم من أجل مناقشتهم في الأمورِ التي تطرأ.

نشاهدُ في أركانِ منزلك آلاتٍ موسيقيَّةً قديمةً، هل لها ذكرى معيَّنة؟

هذه الآلاتُ الموسيقيَّةُ، خاصَّةً الكمان، هي ذكرى من خالي المنتجِ الراحل تاكفور أنطونيان. والعودُ أيضاً، وأنا من محبِّي الموسيقى.

نقترح عليك متابعة اللقاء الخاص مع المهندسة كينيا بيرسيل

 

 

 

 

 

 

السكن تحت الأرض

 

 



اخترت العيشَ تحت الأرضِ على الرغم من امتلاكك بنايةً شاهقةً، كيف تفسِّر ذلك؟

هذا المكانُ، كان مخزناً للعمارةِ، وتبلغُ مساحته 120 متراً، وقد حوَّلته إلى سكنٍ لي، وخصَّصتُ فيه موقعاً للسفرةِ، والطبخِ، والنومِ، والجلوسِ، ووفَّرتُ به كلَّ ما يتطلَّبه العيشُ بهدوءٍ، وبشكلٍ مماثلٍ للسكنِ فوق الأرض. وجودي في هذا المكان مهمٌّ ومشوِّقٍ بالنسبةِ لي، لذا حرصتُ على استبدال عناصرَ أساسيَّةٍ بأخرى، مثلاً بدل «البلكونة»، اعتمدتُ فتحاتٍ في أماكنَ عدة لمرورِ الضوءِ إلى المسكنِ، وتوفيرِ طقسٍ معيَّنٍ، كما أنشأتُ حديقةً صغيرةً، تطلَّبت مني عملَ فتحةٍ في السقفِ لتأمينِ الإضاءةِ الطبيعيَّةِ لها. أنا أجدُ الراحةَ والهدوءَ في هذا المسكنِ، كما أنني من الأشخاصِ الذين لا يحبُّون أن تكون هناك مسافةٌ بعيدةٌ بين البيتِ ومقرِّ العملِ، لذا صمَّمتُ هذه المساحة الجميلة.


صورة مع سعاد حسني

 

صورة تبدو فيها سعاد حسني وهي تحمل المهندس كريم مختجيان طفلاً رضيعاً.


في حجرةِ نومك هناك صورةٌ للفنانةِ الراحلةِ سعاد حسني وهي تحملُ طفلاً رضيعاً، ما قصَّتها؟

هذا الطفلُ هو أنا، وتحملني سعاد حسني يومَ ولادتي. خالي تاكفور أنطونيان، كانت تربطه علاقةٌ وثيقةٌ بالفنانةِ الراحلةِ، لذا كانت تحضرُ مناسباتٍ عدة تخصُّ عائلتنا، منها مناسبةُ مولدي. أذكر أثناءَ تصويرِ فيلم «خلي بالك من زوزو»، أنني كنت في عمر ثمانية أعوامٍ، وحضرتُ كاملَ التصوير لتعلُّقي بالفنانةِ سعاد حسني التي حملتني يوم مولدي.

نقترح عليك متابعة اللقاء مع المصمم نبيه عفارة