سجينات يعدن إلى الجريمة بقرار عائلي

6 صور

سجينات بحكم القانون والتقاليد والأعراف. فتيات حكم عليهن بالبقاء في السجن بعد انقضاء العقوبة لرفض عوائلهن استلامهن. اختبرت «أم عبد الله» تجربة السجن القاسية، إلا أن الأمل كان يدق بابها يومياً متسللاً من خلف القضبان بأن الإفراج بات قريباً. لكن وقعت الصدمة حينما رفضت عائلتها استلامها بعد إخلاء سبيلها بقولهم: «بنتنا ماتت!!».

دخلت «أم عبد الله» السجن بعد خلافها مع زوجها الذي انتزع منها أولادها. تقول:«رفضت عائلتي إعادة أولادي قائلين: (مادام أخذهم طليقك خليه هوه يعيّشهم!) لم أر أولادي طوال عامين. نبذتني أسرتي بعد طلاقي، فهربت من منزل العائلة، ملتجئة إلى بعض الصديقات، فتبين لاحقاً أنهن صحبة سوء، أدى ذلك إلى دخولي السجن. حكمت المحكمة عليَّ بالسجن لمدة عام. رفضت عائلتي استلامي حينما اقترب موعد خروجي، فأودعت في دار رعاية الفتيات أربع سنوات، حتى تدخلت الشؤون الدينية في السجن، فأجبرت أهلي على استلامي، ثم تبرأوا مني، ورفضوا بقائي في منزل العائلة!».

عافرت «أم عبدالله» في الحياة كما تقول؛ حتى تعيش حياة كريمة رغم عدم وجود مكان تبيت فيه، ما دفعها لطلب مساعدة لجنة رعاية السجناء بعد عام من إطلاق سراحها، فكانت إجابتهم على حد تعبيرها: «يخرج السجناء من رعاية اللجنة بعد ستة أشهر من إطلاق سراحهم!».

السجن أفضل
لم تجد «أم عبد الله» سوى العمل في السوق، بعد أن رفضت العديد من الشركات تشغيلها، فتحملت البطالة، والجوع، ونبذ العائلة. تقول: «تقرر العديد من السجينات الانتحار، أو أكل الزجاج حينما يقترب موعد إطلاق سراحهن؛ لأنهن يعرفن أن أسرهن ترفض استلامهن، وبالتالي سيحكم عليهن بالبقاء في السجن إلى ما لا نهاية! وإذا نجحت إدارة السجن في الضغط على العائلة؛ لاستلام ابنتها فستنبذها لينتهي بها المطاف إلى المخدرات، أو الدعارة، وبالتالي قد يبدو البقاء في السجن أرحم من الخارج منه!»
وهنا يقول الأمين العام للجنة الوطنية لرعاية السجناء د.محمد الزهراني: «هذه مشكلة نوعية وليست كمية، خصوصاً أن رفض العائلة استلام السجينة أمر لا ذنب لها فيه. هي امرأة أخطأت فطبقت عليها عقوبة نظامية وشرعية، وبالتالي لا داعي لعقوبة تبعية، ناجمة عن النظرة السلبية الاجتماعية للسجينات».

عائدة للسجن
تواجه السجينة العديد من المشكلات الاجتماعية بعد انتهاء محكوميتها، تتمثل في حجب المساعدة الاجتماعية عنها، مما قد يعيدها إلى الانحراف، بالإضافة إلى رفض أسرتها التعامل معها بسبب العار الذي وصمتهم به كما يعتقدون، ما يجعلها تعيش فراغاً كبيراً. كما يقلص من حظوظها في الزواج، فإما تبقى عانساً، أو قد يطلقها زوجها. وأظهرت إحصائيات رسمية -للسجينات أصحاب الجرائم الأخلاقية العائدات للسجن- أن 56% يعدن للسجن مرة واحدة، و24% يعدن للسجن مرتين، و13% يعدن ثلاث مرات، و5% يعدن أربع مرات. ويعلق على هذا الأمر أستاذ علم الجريمة في جامعة الإمام د.إبراهيم زين: «نصف هذا الأمر في علم الجريمة بالعودة المتكررة للجرائم التي تصبح جزءاً من شخصيتها، ووصمة اجتماعية لا يمحوها الزمن. وهنا يأتي دور المؤسسات المجتمعية الرسمية، والعائلة لمنع احتراف السجينات الجريمة».

عقاب دائم
أوضحت الدراسات الاجتماعية أن عدد السجينات السعوديات لا يتعدى 10% من مجمل السجينات، واللواتي يرفض ذووهن استلامهن؛ علماً بأن هناك منهن كبيرات في السن فقدن العائل الأسري، ما يعني استمرار العقاب الجرمي برسم اجتماعي! وهو يلغي كل برامج الإصلاح التي تسعى المؤسسات الاجتماعية إلى تطبيقها على السجينات. وتأكيداً على هذا الأمر يقول الزهراني: «صدر قانون ضرورة استلام العائلة لابنتها السجينة للحفاظ عليها، ومنعها من العودة إلى مستنقع الجريمة. لكن ألزمت الدولة ولي الأمر باستلام ابنته، والتعهد بالإحسان إليها، وعدم إيذائها.

وإذا شعرت اللجنة بوجود خطر يهدد حياة السجينة في وجودها مع عائلتها فتتريث في تسليمها، حتى تهدأ الأمور، بعد التواصل معها لإعادة المياه إلى مجاريها، وإفهام العائلة أن ابنتهم أخذت عقابها. ومن الأفضل استلامها، والإحسان إليها، بدلاً من تركها في السجن. من هنا نناشد عائلات السجينات بالتواصل معهن، ومساندتهن منذ القبض عليهن؛ لأنه يعود عليهن بالنفع النفسي».

لا غفران
يبدو أن العيب هو العقبة الأساسية لحل معضلة مستقبل السجينات بعد الإفراج عنهن، خصوصاً أن جرائم النساء تتفاوت بين السرقة، والقذف، والتزوير، وعدم سداد الديون، التي قد يتقبلها المجتمع باستثناء جرائم الشرف التي لا تلقى أي غفران!
في هذا الإطار يقول الأمين العام للجمعية الوطنية لحقوق الإنسان خالد الفاخري: «عدم استلام العائلة لابنتها السجينة مسألة حقوقية؛ لأنها ترتبط بتقرير مصير إنسان، والحكم عليه بالبقاء في السجن إلى ما شاء الله! وهذا انتهاك لحقوق السجينة الإنسانية، فلا يجوز أن تربط العائلة مصير ابنتها برفض استلامها من السجن بعد انتهاء محكوميتها، بل يجب تقويم سلوكها دون الانتقام منها!».

وعلى الرغم من هذا الواقع المر الذي تواجهه السجينات المفرج عنهن تسعى السجون لتطبيق برامج تأهيل ودمج للسجينات مع أسرهن أثناء المحكومية، وبعد خروجهن من السجن، وإذا تعذر ذلك تعمل على دمجهن في أسر جديدة من خلال تزويجهن.