"أونغ سان سوكي" زعيمة على خطى مانديلا والديلاي لاما

14 صور

على الرغم من أن أونغ سان سوكي، (68 سنة)، مجرد نائبة بسيطة انتخبت في برلمان ميانمار في العام 2012 فإنها استقبلت كرئيسة دولة في كل القمم، والمؤتمرات التي أقيمت حول العالم، ولذا فإن هذه الزعيمة يمكن أن تخلد اسمها بين عظماء الأمم وهي حية ترزق، وذلك على غرار الزعيمين التبتي الدلاي لاما، والأفريقي الجنوبي نيلسون مانديلا، اللذين حازا مثلها على جائزة نوبل للسلام. إنها زعيمة المعارضة في ميانمار، أو بورما، وهو اسمها القديم الذي لا يزال البعض يستخدمه.

أونغ في كتاب
كامرأة تعمل في الحقل السياسي عرفنا أونغ سان سوكي كمناضلة شرسة تحمل القوة الأخلاقية والجمالية، ولكن حياتها كطفلة وشابة وأم وزوجة وكذلك كأرملة يعرضها كتاب صدر عن «دار لافون» الباريسية للمصور الصحفي الشهير كريستوف لوفني يسرد فيه السيرة الذاتية لأونغ سان سوكي بالصور.

المعروف أن كريستوف لوفني أسس في العام 2010 في أروقة المعهد الفرنسي برانغون (حالياً يانغون)، العاصمة السابقة لميانمار، قسماً يعنى بالتصوير الصحفي، وكانت أونغ سان سوكي عرابة هذا القسم، وقدمت للمؤلف صوراً تسرد سيرة حياتها بدءاً من سن الطفولة وحتى الآن، مدعمة بصور أخرى التقطها لها أنصارها على مدار مسيرتها، وحملاتها الانتخابية والنضالية. وتقول أونغ: «أول سيرة ذاتية قرأتها في حياتي، وكانت بمثابة التحذير والإنذار لي هي «سبع سنوات من العزلة»، لكاتبة مجرية، وكنت مبهورة بالفعل بعزمها».

كثير من المآسي
ولدت أونغ سان سوكي في 19 يونيو/ حزيران عام 1945 في مدينة يانغون، ووالدها هو سان سوكي مؤسس الجيش البورمي الحديث، والذي تفاوض مع الجيش البريطاني ليحصل على استقلال بورما عام 1947، واغتاله منافسوه السياسيون في العام ذاته، فنشأت أونغ سان برعاية والدتها وخين كيي، وشقيقيها أونغ سان لين، وأونغ سان أوو بمدينة رانغون. توفي أخوها أونغ سان لين في الثامنة من عمره غرقاً ببحيرة المنزل. وهاجر أخوها الأكبر أونغ سان أوو إلى سان دييغو في كاليفورنيا بعد ذلك ليصبح بعد ذلك مواطناً أميركياً. وبعد غرق أخيها الأصغر انتقلت مع والدتها إلى منزل آخر فالتقت بشخصيات من خلفيات جديدة، وآراء سياسية ودينية مختلفة.

دراستها
تلقت أونغ سان سوكي تعليمها بمدرسة الميثودية الثانوية الإنجليزية، وقضت بذلك معظم حياتها بموطنها بورما، واكتسبت والدتها بعد فترة مكانتها المرموقة كشخصية سياسية في الحكومة البورمية الحديثة، وعينت سفيرة في الهند، ونيبال سنة 1960م، وكانت أونغ سان سوكي ترافقها بأسفارها، ودرست في نيودلهي بمدرسة يسوع ومريم، وتخرجت بعد ذلك في كلية السيدة شيري رام بمرتبة الشرف في علوم السياسة عام 1964م. واشتهر عنها أنها كتبت -وهي في الكلية- نقداً لاذعاً لمسرحية شكسبير «أنطونيو وكليوباترا» وتقول أونغ سان سو كي: «لم تتوقع والدتي يوماً أن أدخل عراك المجال السياسي، بل كانت ترغب دائماً أن أكون فتاة حسنة التربية والتثقيف يفخر بها والدها».

واصلت أونغ سان سوكي بعد ذلك دراستها الأكاديمية بكلية سانت هيو بأكسفورد، وحصلت على شهادتها في فلسفة السياسة والاقتصاد عام 1969. ووفقاً لأحد زملائها وقعت في سنتها الثانية بجامعة أكسفورد بحب طالب باكستاني اسمه طارق حيدر إلا أن علاقتهما لم تدم طويلاً، ولم تلق استحساناً من عائلتها وأصدقائها أصلاً. وحصلت بعد ذلك على درجة الدكتوراه من كلية الدراسات الشرقية والأفريقية من جامعة لندن عام 1985، ورشحت زميلة فخرية عام 1990.

بعد التخرج عاشت أونغ سان سوكي بمدينة نيويورك مع صديق للعائلة هو (ما ذان إيي) الذي كان مغنياً شعبياً بورمياً. وقبل أن تتسلم أول منصب لها مع الأمم المتحدة كمسؤولة ميزانية عملت كاتبة يومية للدكتور مايكل أريس الذي أصبح زوجها مستقبلاً، وتحديداً في أواخر عام1971، كان مايكل أريس، الذي يعتبر رمزاً للقوة الاستعمارية السابقة، يمثل مشكلة دائمة بالنسبة لها، خاصة أنه كان أصغر منها بسنة، ولذا قالت له قبل زواجها منه: «أطلب منك شيئاً واحداً: إذا كان أهل بلدي بحاجة لي، فعليك أن تكون بجانبي لمساعدتهم. في بعض الأحيان أشعر بالقلق من فكرة أن الظروف والاعتبارات الوطنية يمكن أن تبعدنا عن بعضنا بعضاً، على الرغم من أننا سعيدان للغاية معاً». وتقول عن ارتباطهما: «لم يتمكن مايكل من الزواج بي بسهولة فقد استغرق ذلك منه وقتاً طويلاً نسبياً».

عائلة أونغ
كان مايكل أريس باحثاً في الثقافة التبتية، وتحديداً حول الساكنين خارج بوتان. ورزقت أونغ سان سوكي منه بابنها الأول ألكسندر أريس في لندن 1972، وبابنها الثاني كيم أريس عام 1977، وعملت بعدها لمدة سنتين في المعهد الهندي للدراسات المتقدمة في مدينة شيملا بالهند، كما عملت أيضاً لمصلحة حكومة اتحاد بورما. وفي عام 1988 عادت أونغ سان سوكي إلى بورما للمرة الأولى للبقاء بجانب والدتها المريضة –وقتها- ولمساندة الحركة الديمقراطية بالبلد. وكان لقاؤها الأخير بزوجها أريس في إجازة عيد الميلاد سنة 1995، فقد ظلت أونغ سان سوكي في بورما، ومنعتها الحكومة البورمية من لقائه برفض إعطائه أي تصريح لدخول البلاد. وفي عام 1997 أبلغ الأطباء أريس بإصابته بسرطان البروستاتا. ورغم مناشدة شخصيات بارزة مثل الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان، والبابا يوحنا بولس الثاني للحكومة البورمية بالسماح لأريس بدخول الأراضي البورمية، رفضت بحجة أنها لا تريد تحمل مسؤولية صحته وليس لديها مرافق صحية ممتازة قادرة على رعايته.

وبدلاً من ذلك حثت الحكومة البورمية أونغ سان سوكي على مغادرة البلاد لزيارته، وكانت وقت ذاك تحت الإقامة الجبرية المؤقتة، ولكنها لم ترغب بالخروج خوفاً من منعها من العودة -بعد ذلك- من قبل المجلس العسكري. خلال هذه الفترة عاشت مرحلة عصيبة كانت تمارس فيها أشياء عدة؛ كي تقضي على الملل الذي غمر حياتها وجعلها متوترة وسريعة الغضب: وتقول: «كنت دائماً أقول إن نقطة ضعفي هي غضبي السريع، ولذا تعلمت في إقامتي الجبرية التأمل كي أضبط مشاعري وانفعالاتي، وتعلمت الفرنسية. توفي زوج أونغ سان سوكي عن عمر 53 عاماً، يوم 27 مارس/ آذار1999.

عام 1995 أبعدت عن ابنيها اللذين يعيشان في المملكة المتحدة، إلا أنه سمح لهما بزيارتها بعد ذلك في عام 2011م في بورما. وتم إطلاق أونغ سان سوكي من إقامتها الجبرية بتاريخ 13 نوفمبر/ تشرين الثاني 2010.

حملة الديمقراطية
عقب عودتها إلى بورما، قام الجنرال ني وين زعيم الحزب الاشتراكي الحاكم بتقديم استقالته ما أدى إلى مظاهرات حاشدة تدعو إلى الديمقراطية قادتها أونغ في 8 أغسطس/ آب 1988، وتم قمعها بعنف، ثم قادت نصف مليون شخص في مظاهرة حاشدة في العاصمة في 26 أغسطس/ آب 1988، وفي سبتمبر/ أيلول من نفس العام وصلت قيادة عسكرية جديدة إلى الحكم في البلاد، ومن ثم قامت أونغ بتأسيس حزب الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية، وأصبحت أمينة للحزب العام. وفي 20 يوليو/ تموز 1989 تم وضعها تحت الإقامة الجبرية، وعرض الإفراج عنها مقابل مغادرتها البلاد ولكنها رفضت. وفي عام 1990 دعا المجلس العسكري الحاكم إلى انتخابات عامة في البلاد، وقادت أونغ حزبها فيها لتحصل على أعلى الأصوات ما كان سيترتب عليه تعيينها في منصب رئيس الوزراء، لكن النخبة العسكرية رفضت تسليم مقاليد الحكم، واستمرت في وضعها تحت الإقامة الجبرية. وبعد أن استقبلت أونغ سان سوكي من قبل ديزموند توتو، وهيلاري كلينتون، والعديد من الشخصيات الأخرى عادت لإدارة المعركة. فجابت مقاطعات بورما، وكانت متأكدة من فوزها في الانتخابات البرلمانية في عام 2012، وتقول في هذا الصدد: «إن تعليم المرأة ووصولها إلى السلطة سيؤديان بالضرورة إلى عالم أكثر عدلاً وتسامحاً».

جوائز عالمية
حصلت على جائزة سخاروف لحرية الفكر سنة 1990م، وجائزة نوبل للسلام سنة 1991م من أجل دعمها للنضال اللاعنفوي. وفي عام 1992م حصلت على جائزة جواهر لال نهرو من الحكومة الهندية. كما حصلت على عدد من الجوائز العالمية في مجال حرية الفكر، كما قرر مجلس الشيوخ الأميركي بالإجماع منح ميدالية الكونغرس الذهبية -وهي أرفع تكريم مدني في الولايات المتحدة- لزعيمة المعارضة البورمية أونغ سان سوكي؛ مصداقًا لقرار كان قد اتخذه مجلس النواب بهذا الخصوص.