سارة العسكر: علاقتي بالبيوت كالارتباط بالعائلة والجذور والأصل

سارة العسكر: علاقتي بالبيوت كالارتباط بالعائلة والجذور والأصل
سارة العسكر: علاقتي بالبيوت كالارتباط بالعائلة والجذور والأصل
جناح بيروتي في ألبيرغو بيروت
جناح بيروتي في ألبيرغو بيروت
سارة العسكر
سارة العسكر
بيت أجينور في دمشق القديمة
بيت أجينور في دمشق القديمة
سارة العسكر: علاقتي بالبيوت كالارتباط بالعائلة والجذور والأصل
جناح بيروتي في ألبيرغو بيروت
سارة العسكر
بيت أجينور في دمشق القديمة
4 صور

لا تخفي شغفها الكبير بالتراث العربي الذي يدفعها دوماً نحو توثيق جماليات البيوت العربية، باحثة عن تفاصيل مميّزة ودقيقة ما زالت تتمسك بها القرى حتى يومنا هذا. تشهد صفحة المدوّنة الكويتية سارة العسكر على إنستغرام، والمعنونة بـ «مُتحف الذاكرة» متابعة جيدة، هي التي زارت المدن العربية، ولمست الدفء والترحاب وإكرام الضيف، الأمر الذي لم تجده في أي ثقافة أخرى. تقول سارة في حديثها لـ «سيدتي»: «كتابي بعنوان «أنَتَ منزلي» خلاصة رحلتي في المدن العربية، طيلة عشر سنوات متواصلة، منذ لحظة الوقوع في هوى البيت الدمشقي، حين زرت الشام أول مرة، وسكنت بيتًا تراثيًا داخل أسوار المدينة العتيقة، تلتها عشرات الرحلات المتتابعة بعدها في البلدان العربية، مثل لبنان والمغرب ومصر وتونس والأردن».


الارتباط بالعائلة

 

سارة العسكر



من هي سارة العسكر؟


أنا أم، وكاتبة، وربّة بيت سعيدة، لا تركض خلف أي شيء.


كيف تصفين علاقتكِ بالبيوت؟ وماذا يعني لكِ هذا الشغف؟


علاقتي بالبيوت كالإرتباط بالعائلة والجذور والأصل. العودة إلى السكينة والدفء وإلى عالم خاص مقتطع للمرء وحده في هذا العالم.


كيف دخلتِ الى هذا العالم الممتع؟ وكيف اكتشفتِ أنكِ تملكين هذا الشغف؟


علاقتي بالبيت منذ النبض الأول في رحم أمي، حتى وضعتني عند باب بيت الطفولة الأول، وباركت حياتي بوجوده. تحكي لي أمي دومًا عن هذه اللحظة، التي فاجأ فيها والدي أمي، حين أخذها لبيتنا الأول في يومي الأربعين من الولادة، بعد خروجها من فترة النفاس. تقول لي: «ولادتك باركت بيتنا الأوّل، كنتِ نوره وضوءه وحياته».

امتدّ حضور البيت في نفسي وتمدّد، خصوصًا أنني أنتمي لعائلة «بيتوتية» بامتياز، من جدي وجدتي ووالدي ووالدتي. صرت أنظر للبيت باعتباره العالم. وحين كبرت، رحت أذرع مدن العالم، واستكشفها ابتداءً من بيوتها وحكاياتها وتاريخ عوائلها.


ماذا يعني لكِ البيت؟ وما هي المواصفات التي تضعينها حتى يكون دافئاً ومثالياً من الناحية المعنوية والهندسية؟


البيت هو العالم. مساحتنا الخاصة المقتطعة لنا وحدنا. هو عش الحب والعائلة والذكريات. حين يفكر أحدنا أن يبني بيتًا، يجب أن يعمّره كمالاً وفضاءً للأنس والبهجة ومراكمة الأيام السعيدة، واستحضار الذكريات المحبّبة. كأن يستلهم روائح ومذاقات وطقوس من الأشخاص الذين يحبهم، والمدن التي سافر إليها ووقع في شباكها. أحب التعامل مع منزلي على اعتبار أنه سكن وسلوى، ليس مكانًا للإقامة المؤقتة والأوقات الطارئة من اليوم. بمعنى العودة إليه للراحة والنوم وتناول الطعام فقط. البيت للعيش الجميل واللحظات الخالدة.

تابعي المزيد: نظمه معهد مسك للفنون.. معرض «أحاديث الحنين»..تعزيز للمجتمع الإبداعي


بيت الطفولة

 

جناح بيروتي في ألبيرغو بيروت



أي من البيوت الراسخة في ذهنكِ وذاكرتكِ؟ ولماذا؟


بيت الطفولة، وبيت العائلة الكبير الذي احتضن ذكرياتنا الأولى وأفراحنا وأعيادنا وموائد جدتي. هذه الذاكرة التي نرتبط بها أبدًا ونحسبها كمؤونة لأيامنا الشاحبة والمتقلبة. أضف إليها بيوت البسطاء والفلاحين في القرى اللبنانية، حيث الترحاب والحفاوة والموائد الطيبة المليئة بنكهات الأشجار والأعشاب والثمار الموسمية، وحب الأمهات المليئة قلوبهنّ بالرضا والحكمة.


ما هو الطراز المعماري المفضل لديكِ؟ ولماذا؟ ما هي الدول التي زرتها لمشاهدة بيوتها؟ هل هذا الأمر بحاجة الى تعب ومجهود كبيرين؟


يسحرني طراز البيوت الدمشقية القديمة، بباحتها السماوية وأريج عطور نارنجها وأطيارها. أحب صوت الماء في وسط الدار، ورؤية السماء ونجومها وأقمارها، والقرب من الله فيها. لكن هذا الطراز يليق بالبلدان ذات الطقس المعتدل. بمعنى أنه، ولو كان طرازي المفضّل الأول، لكن لا أستطيع محاكاته حرفيًا في خليجنا الحار. بعكس الطراز الثاني المفضل لدي، الذي يمكن تنفيذه في بيوتنا المحلية. طراز البيوت المتوسطية في القرن التاسع عشر في بلاد الشام. البيوت ذات القناطر الثلاث والبهو المركز الواسع الذي تتوزّع على أطرافه غرفات المنزل، كالبيوت التي نراها بكثرة في بيروت ويافا وعكّا واللاذقية ودمشق خارج الأسوار. بالمناسبة، هذا الطراز هو تطوير لفكرة البيت العربي، حيث يدور المنزل حول نقطة واحدة، مكان اجتماع العائلة، وتجري حياته في محيط عائلي دافئ، كلٌ موجود في قلب البيت. الغرفات تدور حول الصالون دون مسافات عازلة. صوت الأم مسموع من المطبخ إلى البلكون، حتى غرف الأبناء. أعياد المدينة داخلة في كل البيوت، وإن اختلفت مذاهبها وميولها. الجار يهبّ روائحه ومذاقاته لبقية الجيران، يبني ذاكرة مشتركة تتداخل مع من حوله. مهما اعتلى شأن أصحاب البيوت يبقون على تواصل مع الحيّ وأهله والمدينة.


بالطبع تملكين منزلاً خاصاً بكِ. كيف تصفينه داخلياً وخارجياً؟ وهل وضعتِ فيه لمساتكِ الخاصة كونكِ ذوّاقة في هذا المجال؟


عشّ صغير بالكاد يحتوي أحلام العائلة. أسّسته بالحب والذكريات والروائح العطرة، والكثير من القطع الحرفية اليدوية التي أجلبها معي من مدن العالم. ستجده مزيجًا من دمشق وبيروت واستانبول ومصر وإيطاليا وبلاد فارس. أحرص أن أتبضّع من أسواق الأنتيكا والشرقيات والحرف التقليدية ليشبهني منزلي، ليشبه روحي. كنت أعاني من شحّ السوق المحلي بالبضائع اليدوية النفيسة، حيث تكثر القطع الحديثة في سوقنا الكويتي، لتلبية حاجة الزبائن. لا أجد مطلبي. عوّضت عن هذا النقص خلال أسفاري. كما كنت أجلب لمنزلي قطعًا فنية على «التواصي» كما يقولون في بلاد الشام. أصمّم بعض القطع، وأطلب تنفيذها من حرفيي البلدان العربية الذين أتعرف عليهم خلال تجوالي في المدن.


ما هو أسلوب الحياة الذي تعتمدينه؟ وهل تنصحين به؟


العيش بلذة البطء. هذا أجمل أسلوب علمتني إياه المدن العربية القديمة. ممارسة الحياة على مهل، وتذوّق مباهجها وطقوسها وحتى أيامها الاعتيادية المكرّرة بفكرة الانغماس التام بالأفعال والأنس والرضا بما في اليد. تكثيف الإحساس بمعنى كل الأشياء، ومغالبة روح المادة. ولا يمكنني أن أوجّه أحداً لهذه الطريقة، فخيارات العيش متعدّدة وكثيرة، لكن هذه الفكرة كانت على مقاسي. تتناغم مع فلسفتي الخاصة عن الحياة.

تابعي المزيد: "عمروها" مشروع وثائقي يكشف تاريخ بناء المدن السعودية


بيوت العائلة الأكثر جاذبية وتاريخاً

 

سارة العسكر



ما هي البيوت التي استوقفتكِ مليّاً، وتنصحين القرّاء بزيارتها في كل من: السعودية، الكويت، سوريا، دبي ولبنان؟ ولماذا؟


سكنت وزرت الكثير من البيوت الخاصة، وبيوت الضيافة، ولا زالت بيوت العائلة منها الأكثر جاذبية وتاريخًا. ينفتح لي بيت العائلة بحكايته المتفرّدة وغرائب أهله وتداخل تاريخه مع تاريخ المدينة، فيجعلني أقرأ المدينة من سير العوائل الخاصة، دون أدلجة أقلام المؤرّخين والساسة. في لبنان، أحببتُ دار زفتا بيت عائلة الدرويش في الجنوب اللبناني، وبيت عائلة طراد في كسروان في الشمال اللبناني. وكذلك بيت عزام في معاصر الشوف، وبيت الريّس في بيروت. في سوريا، أحببت بيت زمان وأجينور. في الكويت، بيت السدو. في السعودية بيت الشربتلي في جدة. وفي تونس، دار القائد المعموري.


تملكين كتاباً بعنوان: «أنتَ منزلي». وكأنكِ تملكين عدّة منازل في هذا الكتاب؟ ماذا تقولين عنه؟ أين تمّ تصوير المنازل؟ وكم من الوقت استغرق الكتاب لإنجازه؟


كتابي «أنتَ منزلي» خلاصة رحلتي في المدن العربية طيلة عشر سنوات متواصلة، منذ لحظة الوقوع في هوى البيت الدمشقي حين زرت الشام أول مرة، وسكنت بيتًا تراثيًا داخل أسوار المدينة العتيقة، تلتها عشرات الرحلات المتتابعة بعدها في البلدان العربية في لبنان والمغرب ومصر وتونس والأردن. سفرٌ طويل في بيوتها الحميمية وعاداتها وتقاليدها وتاريخها وطقوسها الإجتماعية وناسها وطعامها وأسواقها التقليدية. كنت أسافر، أستكشف، أسكن البيوت، أتعرف على ثقافة المدينة، أمارس شيئًا من طقوسها، أجرّب أطعمتها التقليدية، أزور مشاغل الحرف اليدوية، وأوثقها عبر الصورة والكتابة، حتى تكوّنت الرحلة التي غذّتني وأعادتني لجذوري، إلى البيت العربي: مستراح الروح.


ما هو الزمن الذي تحب سارة أن تكون جزءاً منه. ولماذا؟


أحب زمن الوحدة العربية، حيث كانت الشعوب العربية كلها قبلتها فلسطين، كل الأرض متصلة ومنسجمة ومتحابة. لكن الزمن الذي تمنيت لو عشت في سنواته، القرن التاسع عشر في المدن العربية ومطلع القرن العشرين، قبل النكبة.


ما هي هواياتكِ؟ وكيف تمضين نهارك؟


أحب الديكور والقراءة والسفر. نهاري يتأرجح بين هذه الأشياء. حتى لو لم أسافر فيزيائيًا، أجدني على جناح مدينة كل يوم. أعيشها مزاجها وثقافتها وطقوسها، في الكلام والكتاب المقروء، والطعام المحضّر على المائدة، الموسيقى التي أستمتع إليها، والملابس والروائح التي أرتديها، وحتى الزوايا التي أزيّنها في المنزل من وحي فنونها.


العودة للتراث العربي

 

بيت أجينور في دمشق القديمة



ماذا تقولين عن شغفكِ بالتراث العربي؟ وما هي العادات والتقاليد التي تتمسّكين بها في عصر السوشيال ميديا والتطوّر السريع الذي نعيشه؟


طريقتي الخاصة في مقاومة سيل الحداثة الجارف للقيم والعادات والطقوس الإجتماعية التي تميّز الشعوب والبلدان. العودة للتراث العربي في الطعام والمعمار واللباس والموسيقى والذوق، طريقتي للتمسّك بهويتنا العربية وثقافتنا.


ما سرّ علاقتكِ بالطعام والاجتماعات العائلية حول المائدة؟


الطعام جزء أساسي من ثقافة أي مدينة، ينعكس فيه أرضها وتاريخها وعاداتها الإجتماعية. يكشف ذوق شعبها وطريقتهم في مزج النكهات. حين زرت مدننا العربية، لمست الدفء في ثقافة الطعام والترحاب وإكرام الضيف. لم أجده في أي ثقافة أخرى. العربي يعبّر عن اهتمامه بالضيف بإكرامه ولو كان معسرًا. يفتح باب بيته، ويضيفه بكل ما يملك. كما تعني المائدة في الثقافة العربية، التواصل بين أفراد العائلة الواحدة كل يوم. وكل اسبوعٍ على مستوى العائلة الممتدة، ضمن فكرة «الزوارة» في الخليج، أو «جمعة العيلة» في البلدان العربية الأخرى. الطعام العربي يعني العائلة والكرم واللذّة.

كما أنني ولدتُ في عائلة تقدّس الموائد. والطعام اللذيذ. بين جدتين دافئتين تبرعان في إعداد الأكلات العربية. الطعام بين أيديهما كلّه حنان. وأمهات العائلة أيضًا، تعلّمن على أيديهما أسرار الوصفات. لا زالت تأسرني الموائد التي تفرشها لنا جدّتي في موعد الغداء كل يوم، عندما نسافر مع العائلة الكبيرة كل صيف، ونجتمع في الشقة التي تستأجرها. أصناف كثيرة على مائدة طويلة تجمع الجد، والجدة، الآباء والأمهات والأحفاد. تحضّر جدتي الأطباق هناك وفقًا لخيرات الموسم. تقطف أوراق العنب لتحضير طبق «الدولمة» الشهي، وحبّات البامية الطازجة ليخنة البامية باللحمة. كما في الأعياد تحرص جدتي لأمي، على تحضير وصفات من تراثنا، نحب من بين يديها «مجبوس الدجاج»، وأرز البسمتي «النثري» بالزعفران. تطهوه بعناية وتدلله ب «الحشو» المكوّن من الحمص والكشمش والبصل المكرمل.


من هو كاتبكِ المفضل؟ وبمن أنتِ متأثّرة؟


الكاتبة التشيلية إيزابيل ألليندي، والكاتبة المغربية فاطمة المرنيسي، والكاتبة المصرية رضوى عاشور.

تابعي المزيد: المهندس كارل جرجس: مستقبل العمارة والتصميم في الوطن العربي مشرق