كتب عمالقة الأدب العربي هل تستفيد منها الأجيال؟

كتب عمالقة الأدب العربي هل تستفيد منها الأجيال؟
كتب عمالقة الأدب العربي هل تستفيد منها الأجيال؟

تزخر المكتبات العربية بأعمال وفيرة لعمالقة الأدب العربي بمختلف صنوفه، الذين يعدون من مبدعي الكلمة، منذ أجيال عديدة مرت، وصلت شهرتهم إلى العالم، وكانوا حديث الأوساط الثقافية على مر السنوات.. من أمثال: نجيب محفوظ، وعباس محمود العقاد، ومصطفى أمين، وميخائيل نعيمة، وجبران خليل جبران... وغيرهم. لكن، ما موقعهم بالنسبة إلى الجيل الحالي؟ هل يُقبل الشباب على قراءة تلك الأعمال الخالدة؟ وإن قرؤوها كيف يستفيدون من المحتوى؟، وهل يعتقدون أن المحتوى الذي قدمه أولئك الرواد ما زال يتناسب مع العصر الحالي؟.. أسئلة عديدة حملناها إلى مجموعة من الشباب والشابات لنقف على إجاباتهم.

الرياض | سارة محمد Sara Mohamad
عواطف الثنيان Awatif Althunayan
تونس | منية كوّاش Monia Kaouach - الرباط | سميرة مغداد Samira Maghdad
القاهرة | أيمن خطاب Ayman Khattab


تركوا بصمة

عهد أفندي


كشفت عهد أفندي، إعلامية سعودية، عن أنها قرأت كتب الرعيل الأول من المشاهير، مؤكدةً أنها ما زالت تستفيد من اقتباساتها الرائعة؛ إذ تضربُ بها الأمثال، أو تنشرها على منصات التواصل الاجتماعي. وأوضحت أنها تقوم بعد الانتهاء من قراءة أي كتابٍ باختصاره في سطورٍ، تشتمل على أهم الأفكار التي وردت فيه، ثم تشارك منه ما تراه مفيداً للناس، لافتةً إلى أن جبران خليل جبران، يتميَّز بكتابة أشعارٍ تلامس القلب والواقع، كاشفةً عن أنها تهوى الرسم أيضاً مثله.
كذلك أبدت عهد إعجابها بكتب عباس محمود العقاد، وقالت عنه: «كتبه طوَّرت اللغة العربية، وقد أسهم بشكلٍ كبيرٍ في تعزيز الحياة الأدبية». أما نجيب محفوظ، أول أديبٍ عربي حصل على جائزة نوبل في الأدب، فبيَّنت أنها تعشق رواياته، التي تمَّ تحويل بعضها إلى أفلامٍ ومسلسلاتٍ؛ إذ تصوِّر الحياة كما هي في الواقع، لذا وصلت إبداعاته إلى عالم السينما والتلفزيون، وذكرت: «هم رحلوا عن الحياة، لكنهم تركوا بصمةً لا تنسى في عالم الأدب واللغة العربية والثقافة».
وكشفت عن أنها تقرأ كتباً متنوعةً، وتستهويها كتب تطوير الذات، والطفل والتربية، وتلك التي تتعلَّق بالحياة العملية والاقتصاد، مشيرةً إلى أن «كتاب 101 فكرة تجارية»، آخر كتابٍ قرأته، وهو يساعدك على تغيير طريقة عملك، وكذلك كتاب تحويل التفكير الفطن إلى نصيحةٍ ذكيةٍ للكاتب أنطونيو فايس».
وعن سر حبها للقراءة قالت: «كوني صانعة محتوى، يتوجَّب عليَّ التوسُّع في القراءة؛ حتى أكون ملمةً بمختلف مناحي الحياة، فالقراءة تجعل الإنسان يبحر في عالمٍ لا نهاية له من الأفكار، وتسهم في تطويره». مضيفةً: «لكل حقبةٍ أعمالٌ تناسبها بسبب اختلاف الزمن والفكر»، مشددةً على أن «اختلاف الزمن لا يلغي أهمية هذه الكتب، فما زلنا نستفيد منها حتى اليوم، لا سيما الكتب ذات القيمة المعنوية والأدبية الكبيرة، فجميع الأجيال في حاجةٍ إليها، ويجب التوعية بأهميتها وبمحتواها القيِّم، وأنا إلى اليوم أقرأ لأبي الطيب المتنبي، لكنني لا أظن أن الجيل الحالي سيقرأ مثل هذه الكتب بسبب قلة التوعية بعالم الأدب العربي».


للكاتب العربي أولوية

تقوى علي


تروي تقوى علي، صانعة أفلام ومخرجة وكاتبة بحرينية، علاقتها التي ربطتها بالأدب والقراءة بقولها: «بصفتي طفلة كبرت في جيل التسعينيات، كانت أول علاقة ربطتني بالأدب، هي علاقتي بالقصص القصيرة المطبوعة، فقد كانت والدتي تحشو عقلي بالكتب والقراءة، كبرت وكبر الحب معي، وحينها تفرعت الحكايات والقصص التي أقرؤها، وتعرفت بعدها إلى عمالقة الأدب العربي في مناهج الدراسة، أمثال جبران خليل جبران ونجيب محفوظ، وغيرهما ممن لا ينساهم القلم ولا الذكر».
تضيف: «نتدرج في بعض الأحيان وتتنوع الخيارات بالقراءات الأدبية، فقد أقرأ للأدب الروسي والألماني، وأقرأ الأدب القوطي والدرامي والبوليسي، ولكن مهما تنوعت قراءاتي، يبقى الطريق ممهداً دوماً للكاتب العربي في فكري، فإنني أجد في الكتابة العربية قرباً لي لا أجدهُ في غيرها، فهناك قبولٌ لدي للقضايا التي يطرحها الكاتب العربي؛ لأنني ببساطة أعيشها، وأؤمن بأن التاريخ يعيد نفسه، فإن ذلك يجعلني لا أمل مهما أقرأ؛ لأنني أعرف أن المعاناة التي كُتِبت والفكرة التي طُرحت، هي مستمرة ودائمة ولا تتوقف، فهي عجلة تقتضي المواصلة، مؤكدة من وجهة نظرها مناسبة هذه الكتابات للعصور الماضية والقادمة».
وعزت ذلك قائلة: «أؤمن بأن الإنسان الذي يتحدثُ لغتك، هو أقرب إليك وإلى قلبك، لذلك فإن اللغة التي يتحدثها الكاتب العربي هي الأبلغ والأفصح بداخلي، وهي التي تطفئ لهيب أفكاري أو تشعلها».
أما بالنسبة إلى كيف يستفيدون من المحتوى؟ فبينت تقوى أن أكثر ما يقدمه لي كتاب الرعيل الأول، هو اتجاهاتٌ متعددة من الفكر، فإني أجد فيهم الحب والاستمتاع بالحياة، أو الثورة على الأفكار والمعتقدات المغلوطة، وخلق جو من التنافس الفكري والروحي في داخلي بصفتي قارئة وإنسانة، فأنا عندما أقرأ للعقاد، أقرأ الفلسفة من مضامين مختلفة، أقرأ الوجودية وفوضى الحياة، وعبثية الموقف وعمقه أيضاً؛ أي إنني أقرأ الحياة من تناقضاتها؛ ما يكسب القارئ جوهراً معرفياً مُتألقاً، وكما يقول جبران خليل جبران في كتاب النبي: «وإذا نهشت تفاحة بأسنانك فقل لها في قلبك: إن بذورِك ستعيش في جسدي، والبراعم التي ستخرج منِك في الغد ستزهر في قلبي، وسيتصاعد عبيرك مع أنفاسي وسأفرح معك في جميع الفصول». لربما هذه العبارة تشرح علاقة الأدب العربي لبعض كتاب العرب وأثره في داخلي.. كالتفاحة تماماً، تزهر بداخلي.
يمكنم الاطلاع على اللغة العربية .. كتّاب عرب معاصرين يعيدون الزخم لها


ثقافة التنوير

أمين حرشاني


يرى أمين حرشاني، طالب تونسي في كلية الحقوق، أنّ مطالعة مؤلفات الروّاد هي غذاء للفكر والوجدان، ومنهل للمعرفة والتشبع بقيم مجتمع متأصل في كيانه.
يقرّ أمين أنّ مطالعاته لكتّب الروّاد منحته متعة التّفكير والتأمّل وإعمال العقل، مضيفاً: «حفّزتني إصدارات كتّاب الرّعيل الأوّل، كتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ وطه حسين وميخائيل نعيمة، على التّفكير، وعلى استعمال العقل، ودعتني للتأمّل، فحرّرت ذهني من الانغلاق ومن التعصّب، وسافرت بي إلى ثقافات التنوير».
يعترف أمين أيضاً بفضل كتابات جبران خليل جبران على إنارة تفكيره، خاصّة عند مطالعته لكتابه «الأجنحة المتكسرة»، وبعد ذلك كتاب «النبي» الزّاخر بمعاني القيم الإنسانيّة، فتعلّم من كتاباته المحبّة والتّسامح والتّعايش مع الآخر مهما كان لونه وعرقه وثقافته، وأخذ عن جبران بعض رومنسيته وتعلّقه بالطّبيعة.
أثّر مثل هؤلاء الكتّاب في تكوين أمين الحرشاني اللّغوي، فمعهم اكتشف شاعريّة اللّغة العربيّة وعذوبتها، وأعجب بأساليبهم في الكتابة، وما تميزت به من إيجاز ووضوح.

أمين حرشاني: مؤلفات الروّاد هي غذاء للفكر والوجدان، ومنهل للمعرفة والتشبع بقيم أصيلة


قضايا الإنسان


يعتقد أمين أنّ إنتاج كتّاب الرّعيل الأوّل لا يزال صالحاً عالميّاً وعربيّاً، فأغلب إصداراتهم تتعلّق بالإنسان عامّة، فقد تخطّى جبران خليل جبران، على سبيل المثال، حدود الزّمان والمكان، وخاطب الإنسان أينما كان، وانشغل بهمومه وقضاياه، وكذلك فعل ميخائيل نعيمة، وشعراء المهجر، ومصطفى لطفي المنفلوطي، وجورج زيدان، وعباس محمود العقاد، ومحمود تيمور، ويوسف السباعي.
ويوضح أن هؤلاء الكتّاب تبنوا قضايا الشّباب والمرأة، وكتبوا عن الحرّية والغربة، وحاربوا الجهل والتّقاليد البالية والانغلاق والتعصّب، فأثبتت الوقائع أنّ هذه القضايا لا لا تزال تطرح في واقعنا المعيش وفي مجتمعاتنا.
إقرئي أيضاً عن التبراع وسيلة المرأة الصحراوية للتعبير عن مشاعرها دون افصاح


طغيان الوسائل الرقمية


التقينا الشاب وجيه الغاشي، رئيس القسم العقاري في مكتب للدراسات القانونية والعقارية بالمغرب؛ حيث يعدّ أنه من الطبيعي جداً لأي شاب مغربي أو عربي، أن يكون مطلعاً على الأدب العربي وعمالقته، الذين لن يجود بهم الزمان، أمثال: مصطفى لطفي المنفلوطي، وعباس محمود العقاد، وجبران خليل جبران، ونجيب محفوظ، وطه حسين، فهم أعمدة الأدب العربي، ومن خلال رواياتهم وكتاباتهم أسسنا لوجداننا العربي المشترك، فهم الرعيل الأول الذي حمل لنا أجمل القيم من تراثنا العربي والإسلامي، استمتعنا ونستمتع دائماً بما كتبوا ودونوا من أفكار ملهمة، ومن عبر ومن جماليات في التعبير التي تشكل فسحة لنا من ضغوط الحياة.
يضيف قائلاً: «هي كتب لها إيجابية على الإنسان، تفصله إلى حين عن الواقع، وتمنحه راحة نفسية، كما أن الاطلاع على الأدب العربي في زمن الرواد الأوائل، يمكنك من فهم الآخر، واكتساب مهارة التواصل مع الآخر، من خلال فهم أمزجة وملامح شخصيات مختلفة، وتعطيك فرصة الإبحار في الزمن الماضي وتفاصيله الحياتية. هي كتب هجرناها للأسف، ولعل السبب الرئيسي هو طغيان الوسائل الرقمية المتاحة اليوم ووسائل التواصل الاجتماعي، التي أسهمت بصفة عامة في العزوف عن الكتاب، وقراءة عدد من أمهات الكتب والمؤلفات العريقة».
ويرى أن المحتوى الذي قدمه هؤلاء الكتاب والشعراء الكبار، كان وما زال وسيبقى في المستقبل مناسباً لكل جيل.


الأعمال التراثية معين لا ينضب


محمد مجدي، مهندس ميكانيك مصري حديث التخرج، يقول: «منذ أن انتهيت من دراستي والتحقت بالعمل في إحدى الهيئات الصناعية، دخلت إلى عالم القراءة المشوق، الذي أصبح جزءاً من حياتي اليومية لا غنى عنه».
يضيف: «لم أتناول أياً من الأدب العربي القديم، اللهم بعض أعمال جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة، وذلك ظناً مني أن لن أجد شيئاً مثيراً في ذلك، وما حدث هو أنني نُصِحت أخيراً من قِبل أحد كُتّاب علم النفس بقراءة رواية معينة لنجيب محفوظ، وهي رواية نفسية تحكي عن الصراعات النفسية واضطراب المشاعر لبطل الرواية؛ الأمر الذي يبتغي من ورائه التوسع في فهم مشاعر الآخرين وتنمية المشاركة الوجدانية. وبالفعل، بدأت بالقراءة لنجيب محفوظ، ومنذ الصفحات الأولى أصِبت بالذهول، وكنت أتوقف عند كل كلمة، وذلك من جمال التعبيرات، ودقة الوصف، وروعة الصياغة الأدبية بشكل عام. ويضيف: «عندما تقرأ لجبران خليل جبران تشعر بالدفء، إلا أن الأمر مختلف مع نجيب محفوظ، فلكل منهما مدرسته الخاصة، فبينما تتسم كتابات الأول بالعذوبة والرقة تتسم كتابات الثاني بالقوة والرقي. لذلك، فإن الأعمال التراثية معين لا ينضب أبداً مع مرور الزمن، فهي دائماً تعطي لمن يقرؤها العديد من المجالات المستفادة».
هل أنت مهتمة بالاطلاع على الشعر العربي بين التجارب الحديثة والمبادرات الحكومية لتعزيز مكانته