قصة: فتاة تطالب بعريس ليلة زفاف أمها

جلست إلى جواره بمقعد السيارة، بدت كالوردة الذابلة، تكسو وجهها مسحة حزن، وشفتاها مطبقتان لا تنطقان بكلمة. كانت كالبيت المهجور الذي كسا الغبار جدرانه وأمتعته، وتطايرت ذراته في الهواء عند كل لمسة.

كانت تبدو للوهلة الأولى أكبر من سنها بكثير، فالهالات السوداء حول عينيها تنم عن قلب بجرح غائر، بينما كانت تجاعيد وجهها تنم عن عجز وكبر، رغم جمالها الذي لا يدرك من النظرة الأولى.

انكسار الجليد
«أريد عريساً كماما يا جدو» هكذا بدأت حديثها، بانفراج شفتيها بهذه العبارة، وعادت بذهنها كثيراً حين كانت طفلة تلهو ولا تدرك معنى الموت، الذي اختطف والدها وهي لم تزل رضيعة، فلم تعرفه، إلا من خلال بعض الصور، وكل من أدركتهم في الحياة هم أمها وجدها.
لكن هذه الليلة ستتزوج أمها هي الأخرى وترحل إلى بيت آخر، ستتركها وحدها لوحدتها، بعدما كانت هي كل حياتها، وببراءة الطفولة رددت هذه العبارة على مسامع جدها، الذي تبسّم كثيراً، لكنها لم تكن تدرك أن الزواج هو المرحلة التي تشكل قفزة في حياة الإنسان، وتشكل عاملاً حاسماً في تقرير مصيره، لم تكن تعلم أن الزواج عبارة عن ذهاب، فقد ذهبت والدتها، ولم ترها من لحظتها. شبت بسرعة، واعتادت غياب والدتها المسافرة أبداً، وأصبح جدها هو عالمها الخاص، ولكن القدر لم يمهله كثيراً، وسرعان ما رحل هو الأخر، بينما كانت لاتزال في سنتها الجامعية الأولى؛ لتصبح حياتها فارغة في لمح البصر.

حب فزواج
كانت أولى معرفتها بالجامعة من خلال زميلها بالكلية، فقد نشأت بينهما علاقة حب حميمة، اعتادت أن تراه يومياً، فلم يغب يوماً عنها، كانت تشعر بأن الدنيا تفيض بالسعادة والمرح، وجدت فيه أباً حانياً، وأماً ذات عاطفة جياشة، وأخاً، وصديقاً، وشعرت كأنها تملكت الدنيا كلها.

ذل وهوان
تغاضت عن أشياء كثيرة، إذ تزوجته في شقتها، وعاشت في بداية حياتها أياماً معدودة، لكنها بدأت تعاني، إذ تغيرت طباع الزوج بسبب رفقاء السوء، وأدمن الشراب، والدخان، وعندما يغيب عن الوعي يشبعها ضرباً، واستحالت حياتها جحيماً، فقررت ترك المنزل، ووجدت أن الخلاص منه أفضل من عيشة الذُل والهوان، وأنه آن الأوان لتستفيد من شهادتها الجامعية ومما تعلمته أثناء دراستها. ومضت لا تدري أين سيقودها مصيرها، لكنها كانت واثقة أن الله لن يتخلى عنها.

لو كنت مكانها هل ستفعلين ذات الشيء؟
شاركينا رأيك.