الأسماء الضائعة

محمد فهد الحارثي

 

أصدقاء كثر غابوا عنا وتباعدنا. شغلتنا الحياة في دروبها وعوالمها ونسينا أحبة وأعزاء. فجأة نكتشف أن الرصيد الحقيقي في حياتنا هم الأصدقاء الأوفياء الذين نحظى بهم ونثق فيهم. الصداقة كالنبتة تحتاج إلى الرعاية والسقاية والاهتمام. من الخطأ أن نتعامل مع الآخرين كأمر مضمون. هذه أنانية مقنّعة توحي لنا بأننا الأهم، بينما الحقيقة أن الصداقة عملية تبادلية بين طرفين لا يوجد فيها خاسر. نحتاج أن نجدد علاقاتنا مع الآخرين. نتواصل معهم ونسأل عنهم. كم من أصدقاء كانوا قريبين منا وفجأة نكتشف أن أسماءهم أصبحت ضائعة.

موجودة في قائمة الأرقام في الهاتف، لكن آخر تواصل معهم كان من زمن طويل. غابوا عن الرادار، لكنهم هناك في قاع الذاكرة. يحضرون في قصص من الماضي نذكرها، وفي لحظات التجرد مع النفس. أجمل ما في المناسبات الخاصة كالأعياد والحفلات الاجتماعية أنها فرصة تستعيد علاقاتنا مع الآخرين. الرسائل الهاتفية المبتسرة تغتال فرحة التواصل في المناسبات. المسألة ليست بعدد الرسائل، بل بنوعيتها، ومع الأشخاص الذين نتواصل معهم لشخصهم. من المحزن أن تتحول مناسبات الأعياد الى مآدب ومظاهر اجتماعية، وبالتالي تصبح التزامات نتحين الفرص للتخلص منها، أو لأدائها بأسرع وقت ممكن.

من المؤسف حين يفرغ العيد من معناه الحقيقي، يتحول إلى جزء من قيود المجتمع التي يتفنن مجتمعنا في رسم إطار لها. الركض المتواصل يمنعنا من رؤية الأشياء بشكلها الطبيعي. ننسى من حولنا وننشغل عنهم. حتى الكلمات الجميلة تغيب عن مفرداتنا. لا ينبغي أن نتعامل مع مشاعر الآخرين كأمر مضمون، بل نحتاج أن نشعر بهم، نهتم بقضاياهم ونعيش اهتماماتهم. الحياة هي في المشاركة وتبادل المشاعر والاهتمامات. من غير العدل أن ننتظر أن نأخذ دائماً من دون أن نعطي. حتى لو لم نسأل العطاء. فالمعادن النقية تبادر من دون انتظار السؤال.

لنقرر أن نجعل من عيدنا هذا مناسبة للتواصل مع كل الأشخاص الذين انشغلنا عنهم. ولنأخذ قراراً برد الجميل لكل من أعطانا من وقته ومن مشاعره. أن نتذكر حتى من حولنا وربما يعيشون معنا، لكننا ننسى أن نحسسهم بمحبتنا لهم وبتقديرنا لوجودهم بقربنا. لنقل لهم كم نحن محظوظون أنهم في حياتنا. العيد ليس مناسبة احتفالية، بل هو مناسبة وجدانية نجددها بالحب ونرسمها بالوفاء.

اليوم الثامن:
فرحة العيد الحقيقية بعدد الابتسامات
التي رسمتها على وجوه الآخرين