خفة ظل ثقيلة

نجاة غفران


لديه سمعة يجب أن يحافظ عليها، ليس هناك من ينافسه في خفة الظل وروح الدعابة، على الأقل في محيطه العائلي والمهني. في آخر حفلة عيد ميلاد دُعي إليها، انفجر الحاضرون ضحكًا، وتحولت الأمسية إلى مهرجان مرح؛ عندما تسمرت أمامه الطفلة صاحبة الحفلة، وهي ابنة أحد أصدقائه، ورفضت أن تتناول كعكتها قبل أن تسترد هديتها التي سرقها؛ بالون أميرات ديزني الذي يخبئه تحت ثيابه، تحوم الحاضرون حولهما، وعبثًا حاول والد الصغيرة إقناعها بأن أحدًا لم يأخذ بالونها، وبأنه على الأرجح مرمي في مكان ما، لكن البنت أصرّت على تفقد ثيابه، واضطر ضاحكًا إلى أن يخلع سترته، ويزيح كنزته الصوفية، وتحتها قميصه الأبيض، ثم ثوبه الداخلي القطني؛ لترى الطفلة بعينيها أن ما بدا لها بالونًا مخفيًا؛ لم يكن سوى كرشه الضخمة، التي كانت تترقب حقها من الحلوى اللذيذة!
ضحك الجميع، ووجدها فرصة ليسرق الانتباه، وينخرط في حكي الطرائف التي سببتها له كرشه، وانضم البهلوان الذي كان نجم الحفلة إلى المستمعين، وشعر هو بنفسه يطير، وهو يرى الجميع، بمن فيهم الطفلة التي لم تعثر بعد على بالونها، معلقين إلى شفتيه، والبسمة لا تفارق وجوههم...
خطرت له الفكرة وهو في طريقه إلى المكتب. كان يتصفح كعادته هاتفه، كلما تباطأ سير السيارات، أو بلغ إحدى إشارات المرور. عادة سيئة قد توقفه الشرطة بسببها، لكنه لا يستطيع التخلص منها. لا يقدر صراحة على مباشرة شيء في حياته، إن لم يبدأ يومه بالاطلاع على مواقع التواصل الاجتماعي، وتتبع سيل الأخبار الطريفة، وآخر النكات التي لا يجد صعوبة في العثور عليها، ولا في تذكرها؛ لسردها بعد ذلك بطريقته المرحة وحركاته الكوميدية على أصحابه ومعارفه. سيارته الحديثة التي تحتوي لوحة تشغيلها الرئيسية على أنظمة تحكم ذكية، تساعده كثيرًا على السياقة بأمان أثناء انشغاله بهاتفه. صحيح أنها كلفته مبلغًا ماليًا ضخمًا لا يزال يدفع أقساطه للبنك، لكن وسائل ترفيهها وطرق أمانها تستحق ذلك.
عثر وهو يتصفح مواقعه الأثيرة على صورة لسيارة شبيهة بتلك التي يقودها، وقد تعرضت لحادثة خطيرة، تحول على إثرها هيكلها الأنيق إلى خردة منبعجة بشكل مخيف من الخلف. ابتسم بخبث وهو ينقل الصورة ويرسلها إلى أصحابه في المكتب، ويتهيأ للتعليق عليها. 
كان قد بلغ موقف إشارات مرور. توقف عند الضوء الأحمر، وانشغل بكتابة تعليقه الخبيث: «صباح زفت يا رفاق. كما ترون. تعرضت لحادث دمر سيارتي. لكنني بخير. سأصل إلى المكتب متأخرًا بعض الوقت...».
ضحك وهو يبعث التعليق، ويتخيل ذهول رفاقه حين يدخل عليهم ويفتح النافذة ليريهم حالة سيارته «المدمرة». مزحة خفيفة وفعالة مع الصبح. وخزة لتنشيط الأعصاب وتحريك المياه الراكدة في المكتب. هم دائمًا مكتئبون في الصباح، كأنما يأتون لعملهم وكل واحد منهم يحمل هموم العالم على كتفيه...
هزّ رأسه ضاحكًا، وقبل أن يحرّك مقبض السرعة ليتقدم بسيارته، صرخ مذعورًا وهو يشعر بالعربة تهتز به، وتتقدم لتصطدم بالسيارة التي تقف أمامها وتندفع نحو الأمام.
عمت الضجة الشارع، وتمالك نفسه عندما توقفت السيارة، وتنفس عميقًا قبل أن ينزع حزامه ويترجل ليرى ما يحدث.
سيارة رباعية الدفع صدمته من الخلف ودفعته؛ ليدخل في السيارة التي تسبقه.
لم يصب أحد في الحادث، لكن سيارته صارت كومة خردة.
لم يفقه شيئًا مما كان السائق المسؤول عن الحادث يقوله له. رأسه كان يدور، ودماغه يرفض أن يشتغل.
وحده منظر سيارته الشبيه بمنظر الصورة التي أرسلها لأصحابه، كان يتراقص أمام عينيه الذاهلتين، وهو يستمع لضربات قلبه المجنون.
لا يصدق أن مزحته صارت حقيقة!