تُرى ماذا حدث لعلاقاتنا مع أنفسنا ومع غيرنا؟ وهل هناك ميكروب في الجو مهمته تلويث السعادة والاستقرار، وهدم أسمى معاني العلاقات الإنسانية التي تحولت -يا للأسف!- إلى علاقات يغلفها إما الخوف أو المصلحة أو الأنانية؟ فكل فرد منا يُلقي مسؤولياته على الآخر؛ حتى بدأت تتلاشى المشاركة الحقيقية التي أثبتت عجزنا عن الوصول إلى السعادة بسبب عدم القدرة على التفاهم وانعدام الرغبة في التضحية والتنازل والتغافل، ولم ندرك مفهوم الحب الأساسي، وهو أن نضحي من أجله لا أن نضحي به، وجهلنا أن كل ازدهار ونجاح يحدث لنا يكون سببه التفاهم الذي يصنعه الحب في كياننا وجوارحنا ومشاعرنا.
ما الدنيا دون الإحساس بالحب؟! الحب الذي زرعه الله في جميع الكائنات، الحب تلك المشاعر الإنسانية الرائعة المتمثلة في جميع مظاهر حياتنا، فالرحمة والعطاء والعطف والدفء والحنان؛ مصدرها الحب. الوفاء والأمانة والتضحية والإيثار والصدق والصبر والحياء صفات لا يمتلكها إلا من أحب. الحب طموح وعمل وهدف وإرادة ونجاح ومقومات. الحب هو شكر وتقدير واحترام ومشاركة وإخلاص وأمان وشعور بالانتماء والارتياح والطمأنينة والسكينة.
فالحب أرقى المشاعر الإنسانية، هو الأمل والإيجابية ودليل على الصحة النفسية، الحب هو أن نعيش الخير بكل ما فيه، ونكره الشر بكل أكاذيبه. الحب مشاعر صادقة تنمو وتزدهر في قلوبنا إن وجدت بيئة حاضنة تحتويه، وتذبل هذه المشاعر وتموت لو فقدت مقومات هذه البيئة؛ فنحن بشخصياتنا ومفهومنا وأسلوبنا وأخلاقنا ومبادئنا نعيش في الحب في كل زمان وفي أي مكان، وبصور مختلفة وبطرق شتى، وفي كل سن ومرحلة، وفي أي دور نردد لفظ الحب ونتعامل به ومعه ومن خلاله؛ فالكلمة الطيبة والابتسامة الرقيقة واللمسة الحانية يعبر عنها كل محب.
فلماذا لا نحيا ونبتسم ونسامح بقلب محب؟! فالحياة أرحب من أن نضيقها بالهم والغم، والقلوب أطهر من أن نلوثها بالكره والحقد والحسد، والحب أعظم من أن ندفنه بالشك والخيانة والكذب والعناد والقسوة وسوء الظن.
إن الحب ليس ترفاً، ولن يكون أبداً هو السبب في ثورات التمرد والعصيان ضد الطبيعة البشرية. نعم، الحب ليس ترفاً؛ إنه محرك الحياة والقوة الدافعة للإنسان في سلوكه وعمله ودراسته وتوجهه إلى الله. ويا للأسف! فباسم الحب شُوِّهت معظم معالمه!
إن الحب علاقة إلهية، وليس مشروعاً يحتاج إلى بطاقة عائلية أو واسطة أو دراسة جدوى، ولا يحتاج إلى أكثر من فتح ائتمان في قلوب من حولنا؛ فالقلوب المحبة ليست لها بوابات ولا حدود ولا حراس، من دخلها شعر بالأمان والصفاء والنقاء؛ لأنه قلب متسامح عامر بحب الله وحب كل عمل وقول يرضى عنه الله.
الحب هذا الإحساس الرائع أيامه لحظات صدق، ونبضاته أنفاس حنان، ونداؤه مودة، وعالمه سعادة، فهل نوجه نداءً إلى أنفسنا وإلى كل من حولنا لإعادة هذا الإحساس مرة أخرى إلى حياتنا بعد طول غياب؟!.