هدم البناء بعد استكماله

أميمة عبد العزيز زاهد


كنت أستغرب أحياناً من بعض حالات الطلاق، التي تحدث بعد سنوات طويلة، وبعد أن يكون الأبناء قد ذهب كل منهم لبناء مستقبله، وأقول لنفسي بأن في هذه المرحلة بالذات المفترض أن يعود الزوجان فيها للراحة من عناء وطول الرحلة، وأن الوقت المناسب قد حان ليستمتع كل منهما بالآخر، بعد أن استكملوا بناء الأسرة، فلماذا قاما بهدم البناء بعد استكماله؟ وجاءني تفسير من إحدى الزوجات، من خلال دموعها وهي تقول: لا تستغربي استمراري في هذه الطاحونة، فعندما بدأت حياتي واكتشفت واقعي الأليم في الحياة مع زوج قاسٍ أناني، رضيت في البداية وحاولت الإصلاح قدر استطاعتي، ولكن مع الأسف لم أتمكن، وحاولت التمرد على معاناتي ولكن أهلي أجبروني على التحمل، فأنا سأصبح أمًا خلال أشهر، وكنت أقول لنفسي اصبري واحتسبي لعل وعسى أن يتبدل الحال، ومرت الأيام وتجرها أعوام أنجبت خلالها ثلاثة أبناء، هم قرة عيني وكنت بين فترة وأخرى أحاول مناقشته وإيقاظ ضميره، فكان يكشر عن أنيابه، ويقول بأنه لن يتغير، وإذا كانت حياتي معه لا تعجبني يبدأ بمساومتي في أغلى ما أملك، وخيرني بين حريتي أو التنازل عن أبنائي، ولكن كيف أتركهم لأب لا يرحم؟ وكان علي أن أرضى بواقعي حتى يكبروا ويعتمدوا على أنفسهم، فلحظتها لن نعيش تحت رحمته، فأضطر إلى الاستسلام الكامل والموت المعنوي والتهاون في إنسانيتي، نعم خسرت الكثير وضاع عمري معه، وفي المقابل سأكسب أبنائي وأنا معهم وبينهم، أعود وأقول بأن مثل هذه الأم لا تشعر إلا بغريزتها وأمومتها الفياضة، والأكثر إيلامًا هو رفض الأبناء لهذا الواقع المرير والمشين، خاصة عندما يشاهدون أمام أعينهم أباهم وهو يضرب أمهم وتسامحه.. يذلها وتعزه.. يحتقرها وترفعه.. يطردها لتعود مرة تلو الأخرى منكسرة ومهانة، ويعرفون في قرارة أنفسهم بأن كل ذلك الصبر من أجلهم، فأصبحوا بالنسبة لها نقطة ضعفها.. وإني لأتساءل، ترى أي مرحلة أنسب لحدوث الطلاق بالنسبة للزوجة أو الأبناء؟ ففي العشر السنوات الأولى تكون الحياة في بدايتها متقلبة لاختلاف العادات والتقاليد، ولصعوبة التأقلم بسهولة، ولا بد فيها من الصبر، خاصة بأن الأبناء لا يزالون صغارًا، وتمر هذه المرحلة بحلوها ومرها وتأتي العشرة الثانية، ويكون الأبناء في طور المراهقة وهم في أمس الحاجة للرعاية والحنان والاهتمام الكامل من قبل الأب والأم معًا، وتمر هذه المرحلة بمرها وتأتى العشرة الثالثة يكون فيها الأبناء في مرحلة انتقالية صعبة، وهي الاستعداد للجامعة أو للزواج، وبالتالي لابد من وجود الطرفين معًا، وعندما تأتى العشرة الرابعة وتتخذ الزوجة قرارها النهائي بعد انتهاء دورها، وانتهاك قوتها وضياع شبابها يستغرب الكل ويستعجب ويلومها، فلماذا تطلب الطلاق الآن؟ وماذا تريد وهي في مثل هذا العمر؟ خاصة أن العمر القادم ليس بأطول من السابق، وما دامت قد تحملت كل تلك المعاناة فلتكمل حياتها حتى لا تكون ناكرة للجميل.