غيّبك الموت يا ملك الخير وفاضت روحك لخالقها، رحلت عنا أيها الأب الغالي، والراعي الحنون، والقائد العبقري، غادرتنا يا ملك العطاء؛ فسكن الحزن جذورنا لفراقك، ولكن ماذا نملك أمام إرادة الله الذي لا راد لقضائه، ولا معقب على حكمه؟ يغلفني شعور الألم ويغمرني إحساس الحزن، فلا أعرف كيف أصف الفراق، ولا يمكن لأي عبارات أن تصفه، وما كنتُ يا عبدالله أنتظر مثل هذا اليوم لأكتب، فمكانتك في ذاتي وارتباطي بك نفسي وروحي ومعنوي، ومشاعري تجاهك متأصلة أباً عن جد، فكيف لي أن أبدأ؟ وماذا أقول؟ وقد كنت دوماً النبع المتدفق، الذي يفيض حناناً وعطاء وتضحية بلا حدود، للقريب والغريب والبعيد؛ فيعجز قلمي عن التعبير عن كل ما أنجزته، فأعمالك تحتاج لوقفات لا تعد ولا تحصى.
لقد منّ الله سبحانه وتعالى علينا، حين أرسل إلينا إماماً راشداً، وملكاً حامياً، سار على كتاب الله وسنة رسوله المصطفى عليه الصلاة والسلام، في إعزاز الإسلام والمسلمين، وقائداً متسلحاً بقوة إيمانه بربه، وواثقاً من عدله وحكمته، استطاع أن يجمع الصفوف، ويكمل متطلبات بناء دولته، عهد تحقق فيه الكثير من المنجزات، على جميع المستويات الوطنية والعربية والعالمية، وسجّل التاريخ مواقف مشهودة في كثير من الأحداث الدولية، والقضايا الإقليمية وفي شتى الميادين، وعلى كافة الأصعدة الداخلية والخارجية، وفي جميع الجوانب الدينية والسياسية والعسكرية، والاجتماعية والتربوية والاقتصادية والصحية.
وأفتخر بأن الأعوام الماضية تعتبر العصر الذهبي للمرأة، فكان أول ملك تحظى فيه المرأة بمبايعته عند توليه مقاليد الحكم، كما أعلن رحمه الله في أكثر من مناسبة رفضه القاطع لتهميش المرأة، وقال لا تهميش بعد اليوم، واستقبل بصدر رحب العديد من فئات المجتمع النسائي؛ ليسمع منهم، وكان لي الشرف بلقائه في مرتين كما أصدر حزمة من القرارات التي مكنت المرأة من تفعيل مساهمتها المجتمعية، وعاشت تحت ظل إنجازات وعطاءات ونجاحات متكررة، وذلك من خلال منحها 30 مقعداً في مجلس الشورى، ومشاركتها في الانتخابات البلدية، وفتح لها المجال في التمثيل الدولي لبلدها في المؤتمرات الدولية؛ ليصبح صوتها واضحاً وقوياً، بالإضافة إلى المشاركة في صنع القرار داخل القطاعات التنفيذية المختلفة، في الوزارات والجامعات والمؤسسات الحكومية، هذا عدا مشروع الابتعاث، ودعم برنامج الأسر المنتجة، وتكريم المبدعات في مختلف المناسبات بالأوسمة الرفيعة، كل ذلك ساهم في إيجاد ثقافة تحترم المرأة، وتدرك إمكاناتها وقدراتها، وتعترف بدورها كشريك أساسي في بناء المجتمع.
رحمك الله أيها العزيز الغائب عن الوجود، والحاضر دوماً في حياتنا، بما تركته لنا من معين لا ينضب، وستبقى ذكراك العطرة في قلوبنا للأبد، وداعاً يا فقيد الأمة، وفي ذمة الله، لقد استودعناك عند الله، ونسأله سبحانه وتعالى أن يشملك بعنايته ورحمته، ويسامحك قدر ما أحسنت إلينا، ويغفر لك قدر ما أنجزت لدينك وأمتك ووطنك، وإننا نعزي أنفسنا ونعزي الأمتين العربية والإسلامية، في وفاة مليكنا رحمه الله، وأسكنه فسيح جناته، وعزاؤنا فيما خلفت لنا من خير وبركة، وحفظ الله لنا راعي مسيرتنا الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده مقرن بن عبد العزيز، حفظهما الله، ونصرهما ووفقهما وسدد خطاهما، وسخر لهما البطانة الصالحة الناصحة، وأسأل العلي القدير أن يديم علينا نعمة الأمن والرخاء والاستقرار، وختاماً ليس لنا إلا أن نقول لله ما أعطي وله ما أخذ، وإنا لله وإنا إليه راجعون