أعاني بصمت

أميمة عبد العزيز زاهد

 

قالت: متماسكة بعد أن احتواني الوعاء الاجتماعي الوهمي، الذي فصله لي الآخرون دون استشارتي، واقتحموا حياتي دون استئذان، وسكنت المعاناة أعماقي، حتى أنَّه ليخيل إليَّ أنَّ الذي يجري في عروقي ليس دماً. صابرة في صمت لا يبيح لهمومي أن تقفز على ملامحي.. واستعمرني الحزن تحت مقياس اجتماعي ونفسي وعاطفي، كل ذلك بسبب رفضي البقاء مع إنسان يرفضه كياني، وتعفه نفسي. إنَّ مبدئي أنَّ الرجل الذي يضرب ويسب زوجته هو أضعف الرجال، وأنا أفضل الألم والمعاناة عن الخروج عن مبادئي، ونتيجة إصراري على موقفي واتخاذي قراري كان لابد من العقاب؛ لأنَّ الأسباب من وجهة نظرهم غير كافية، وشعرت بعدها بأنني لن أتمكن من تحقيق أحلامي؛ لأنَّها تحتضر، ولن أتمكَّن من ممارسة حياتي الطبيعيَّة؛ لأنني محاصرة داخل أربعة جدران صماء. ظللت أعاني بصمت دون أن يشعر بي مخلوق. أحاول أن أحافظ على ما تبقى في عقلي من وعي في ظل القيم المتناقضة. معاناة طويلة استهلكت وقتي.. وعافيتي.. وراحتي.. ونفسي، التي بداخلها عواطفي وتفكيري وإدراكي وسلوكي وإرادتي.. ألا يحق لهذه النفس أن تتألم أو تشكو وأن تجد من يسمعها، يفهمها، يستوعبها، يحتويها، يساندها، يدعمها، يلاطفها، ينصحها.. أليس من حق هذه النفس أن تخطط لمستقبل مشرق، وتتخلص من ذكريات مؤلمة، ألا تستحق أن تفرغ محتويات قلبها وعقلها، وتجبر كسرها، وتهدئ خاطرها، وتساند مشاعرها، ألا تستحق أن تتكلم بلا قيود دون تحديد اتجاه أو مسار لها، ودون اعتقال لأحلامها، ألا يكفي أنَّ مأساتي كانت ضربة لكل وجودي وحضوري كأنثى.. حتى أصبحت وحيدة إلا من ملايين الأحلام، والأوهام، والشعارات الميتة اكتفي بتأمل حطام ذاتي ولا أدري هل تريد أن تسمع مني وتخضع، أم تريد أن تبوح وتصرخ، أم أترك لها العنان لتشكو مما تعانيه. ليس مهمًا أن ذوى شبابي، وضاعت أحلى أيامي، وارتبكت في ذهني الأمور والمعاني والكلمات وأنا أشعر بإيقاع زمن جديد في كل مرة يتجدد فيها لقائي مع ذاتي. إذا ضحكت أو فرحت ضمني الواقع بقسوته، وعنفني ليوقف أحاسيسي، أعود بعدها وألوذ بسجني لتجاوزي حدودي، وأظل عاجزة عن فعل أي شيء حتى أدمنت الحزن، وعوقبت ذاتي دون ذنب، وأصبحت وحدتي هي عالمي الحقيقي، أما العالم الخارجي فلا صلة لي به، وأقنعت نفسي أن نعيش أنا وهي في رضا بعيداً عن الوقائع المليئة بالظلم والقهر والقسوة والاستبداد. من المسؤول، ولماذا حدث ما حدث؟ وكيف الهروب بعد أن تهاونت في الدفاع عن حقوقي، واستسلمت لقيود العبوديَّة.. هل عليَّ أن أدفع الثمن مقابل هروبي من حياة الخضوع. أثور أحياناً ثم أهدأ، أعترض وأقبل، أحتج وأستسلم، أتمرد وأرضى، وما بين الحزن والفرح، وما بين الدهشة والذهول، وما بين المفاجأة وخيبة الأمل، وما بين الحياة والموت، أتصوَّر أنَّ الحياة مرَّت بسرعة البرق تاركة لي مخلفات الهموم والقلق والخوف.