ها أنا أعود إليك يا وحدتي من جديد، وكأني لا غنى لي عنك، ولا أظن أنى سأستطيع التخلص منك بعد أن فشلت أن أتنفس طويلاً خارج قوقعتي، ويا ليت لم أعد، فها هو يقبل الليل كل يوم ليناديني أنيني، ويوقظ تفكيري، ويشعرني بثقل الآلام فوق كتفي، وكل خطوة أخطوها أحس بأثقال في قدمي، وأوتار تشد رأسي، ويعجز قلمي عن الكتابة، بعد أن كان لا يدعني أنام أو أهدأ، وحتى لو كتب.. فإنه يكتب في ظلمة الليل، وكأنه يخاف أن ينتشر الكلام في النور. فكم هي صعبة هذه الكلمات التي أسجلها؛ لأنني أكتب عن ذاتي، ومازال البحث عنها مستمراً.. بعد ما ضاع عمري في التمني والأحلام.. والسعادة التي كنت أظنها عن يميني، والراحة عن يساري، وهذا ما كان قلبي يقوله لي في أول كل يوم من بقية أيام حياتي.. فماذا عساه أن يكتب؟ أيكتب عن الماضي والماضي فات بحلوه ومره ولن يعود؟ أيكتب عن الحاضر ويرسم الأماني والأحلام؟ كيف وقد تهاوت وسط تراكم الهموم والمشاكل؟ أم تراه يسجل عن المستقبل والمستقبل بيد خالقي سبحانه، لقد وصلت لمرحلة بدأت أخشى فيها من لحظات السعادة، وأخاف عليها أن تقترب من حياتي فتصاب بخيبة أمل جديدة. لذلك أهلاً بك أيها الحزن، أيها الظل الأبدي الذي لا يوجد منافس غيرك في حياتي، كم أود أن أصرخ وأشتكى، ولا أريد من أحد أن يلومني، فأنا أصبحت تائهة، مشتتة، ولم تعد لديّ قدرة أن أعرف الصادق من الكاذب، ولا أفرق بين اليقين والشك، ولا بين الخيانة والإخلاص، ولا بين النزوة والحب. لا أعرف من أين أبدأ وإلى أين سأنتهي، وكيف ستمضى أيامي، وإلى متى سأستمر على هذه الحال.. حتى وصل الاختناق لعقلي، وأشعر بفراغ قاتل، رغم عدم وجود هذا الفراغ، ووقتي ممل رغم عدم وجود وقت لدي، وساعاتي بطيئة رغم عدم وجود عقارب في زمني. لقد تعبت ومللت، ولابد أن أخفف رقابتي على نفسي، فما الحياة إلا تجارب نتعلم منها الكثير، فتكفي البرودة التي تسربت في عظامي، ويكفي أن أهرب من عبوس الدنيا في وجهي، ويكفي أن عقلي استنزف من التفكير. وإلى متى أسير كأسيرة لا تعرف أين ترسو، ولماذا أصبحت أنتزع الضحك من قلبي انتزاعاً! أين القلب الذي يدق بداخلي؟ أين الذي يجري دمي في عروقه؟ أين هذا في أرض الواقع؟ الواقع الذي يرفض تحقيق ولو جزءاً يسيراً من أمنياتي؟ وفى النهاية عاهدت نفسي ألا أخوض في حروب معها، وتوصلت بعد تفكير عميق إلى: لماذا كل هذا الخوف والحزن؟ ولماذا يتقاعد عقلي عن التفكير بعد أن تقاعدت سعادتي؟ وأخيراً وجدت ذاتي بقربي من خالقي سبحانه وتعالى، فهو الرحيم، والقادر سبحانه أن يغير حالي لأحسن الأحوال