mena-gmtdmp

زهدت الحياة معه!

أميمة عبد العزيز زاهد

 

قالت استدعيت شجاعتي، واستنفرت كل طاقتي، وأخبرت زوجي بقراري في عدم رغبتي بالاستمرار معه، وحاولت أن أخفي ضعفي خلف شخصيتي الجديدة. نعم رفضت أن استمر معه بمشاعر الضعف التي عشتها طوال سنوات عمري، لقد عشت حياتي لم أعارض، لم أقاوم، لم أصرخ، بل استسلمت وفقدت الشعور بكل ما هو جميل حتى ضاعت سعادتي، وبدأ العد التنازلي لعمري، لقد فقدنا منذ زمن لغة التفاهم والحوار، ونعيش في حالة انفصال ضمني، صحيح أننا نقيم في منزل واحد، وننام على فراش واحد، وتجمعنا مائدة طعام واحدة، لكنني كنت أعتبر كل ذلك نوعاً من أنواع التمثيل أو المجاملة أو التعوُّد سرعان ما ذبلت مشاعرنا، واتسعت الفجوة بيننا، فمشكلة زوجي أنَّه لا يريد أن يعترف بحقي في طلب حريتي، فهو من وجهة نظره مازال يحبني ويجهل أنَّه يحبني بطريقته الخاصة. حبٌّ أناني لا يرى إلا نفسه، ولا يحب إلا ذاته، يفرض اللون الذي يستهويه، والمنطق الذي يعجبه. يتجاهل احتياجاتي، واهتماماتي، ومشاعري حتى لو أحبَّ فهو يحبني من خلال حبِّه لنفسه فلا أعيش لحظات سعادة إلا بوحي منه. يعالج أمورنا بمنطق خاص به والمطلوب أن أنفذه دون مناقشة، فهو لم يعان من أي ضغوط مني، مستغلاً بذلك صمتي وتحملي حتى حانت اللحظة الفاصلة، التي جرح فيها كياني، وآذى شعوري، ولمس الخط الأحمر في أعماقي، لحظة أخبرني فيها بأني أسوأ زوجة، وبأني معدومة الأنوثة، واستمر في كلامه الجارح ولم أعد أسمع أو أفهم، ولم أعد أرى أو أعي شيئاً، فقد أحدثت كلماته هزة عنيفة أطاحت بكل الدعائم الراسخة التي كنت أحيا في ظلها، وجعلت مني إنسانة متوازنة تؤمن بكل ما هو حق وأصيل، وأحدثت الهزة شروخاً بجدار قلبي، ولم أعد قادرة على مسؤوليَّة احتوائه من كثرة ما تهدم بداخلي؛ ما جعلني أفقد ثقتي في نفسي، وأصبحت إنسانة مهملة في عملي، وبعيدة عن أبنائي، وتراجع فكري، وقلَّ نومي. لقد تعبت وأرهقت ولم أعد أتحمل الصمود أمام أبسط أحداث الحياة، أقل أمر يجعلني أنهار واضطرب، ولن أجبر نفسي على التحمل أكثر بعدما تحولت حياتي لتعاسة يغلفها القلق والخوف والفشل، وفقدت الاستقرار النفسي، وزهدت الحياة معه، بل زهدت الحياة كلها بسببه. 

 

أنين الحياة 

بعدما نضجت، وفهمت الحياة على حقيقتها، عرفت لماذا تترك الزوجة رجلاً يشيد لها قصراً، ولماذا أخرى سعيدة وهي تعيش في حجرة؟ فهمت معنى أن يكون الحائط بارداً، وأن يكون الإنسان وحيداً ومعه رفيق. فهمت هذا التغير الذي يصيب الإنسان وهو مقبل على الحياة عندما تخبو فجأة إشراقة روحه، وتضيع سعادته، فلا يتمكن من الانسجام والتوافق. فهمت معنى الاستسلام وقاومت الدوامة؛ حتى لا تسحبني إلى قاع مظلم.