فتاة صورت لي مشاعرها، وكيف تغيرت نظرتها ومفهومها عن الحياة. كل ذلك خلال ستين دقيقة فقط، قالت: «أبدأ كلامي بقول الله تعالى: «وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم». حقيقي أنَّ الحريق في حدِّ ذاته كارثة، لكن لولاه لما تغيرت، فقد كان من ورائه الكثير من الخير، ففي يوم عادي كبقيَّة الأيام لم يكن في المنزل إلا أنا وابنة عمي، كنا نتكلم عندما طرق أخي الباب وقال: «من فضلكم لا توقظوني فأنا متعب ولم أنم منذ يومين»، وأخي أعتبره والدي وصديقي وكل حياتي، فهو من ساعد أمي في تربيتنا بعد انفصالها عن أبي. وبعدها عدنا لنستكمل حديثنا في غرفة المعيشة، فجأة سمعنا صراخًا فركضنا وفتحنا الباب، وإذا بالجيران يصرخون (حريق)، غادروا الشقة فوراً، لحظتها تذكرت أخي النائم، وركضت وأنا أرتجف وأبكي بلا وعي، كنت أحاول أن أصل إلى غرفته، فأنا أعرف أنَّ نومه عميق، وكان الممر طويلاً وممتلئًا بالدخان، وكلما حاولت الدخول لا أستطيع التنفس، لم أستسلم لمحاولة الجيران لسحبي إلى الخارج، وكلما حاولوا منعي من الدخول أصرخ في حالة هستيريا، وأبكي بأني لن أغادر الشقة دون شقيقي. لحظتها طلبت ابنة عمي والدتها لتستدعي المطافئ، واتصلت على شقيقتي وأخبرتها أن تأتي هي وأمي في الحال، وفي الوقت نفسه كنت أنا مازلت أفكر كيف يمكنني أن أوقظ أخي، حاولت اقتحام المكان لمرات عديدة، لكن لم أستطع لكثافة الدخان، وكان الظلام حالكاً لفصل الكهرباء، واندفعت كالمجنونة إلى أقرب نافذة من غرفة أخي وبدأت أرمي على النافذة كل ما طالته يداي وأنا أصرخ وأبكي: أرجوك استيقظ، فجأة سمعت باب غرفته يفتح وكان لونه أسود من الدخان، وعندما رأيته حمدت الله، وسقطت على الأرض فحملني إلى الأسفل وتعجبت عندما شاهدت سيارات الشرطة والإطفاء والناس الذين تجمعوا أمام العمارة وحتى الآن لا أعرف ما الذي كانوا يفعلونه، ولماذا لم أرهم في الشقة، ولمحت أمي وهي تجري وتحاول دخول العمارة، وأخبروها بأننا في سيارة الإسعاف، واحتضنتنا من خلال دموعها وهي تردد الحمد لله، وبعد فتره عدنا للمنزل ورأيت كيف أصبحت غرفة نومي، وملابسي، وكتبي، ومجوهراتي، وكمبيوتري، وشهاداتي، وصوري، ووثائق مهمة، دون مبالغة كانت رماداً، الشيء الوحيد الذي لم يحترق -سبحان الله- كان القرآن الكريم. عشت أياماً وأنا في حالة انهيار لا أكف عن البكاء بسبب المعاناة التي عشتها، وفي نفس الوقت جعل مني هذا الحادث إنسانة أعمق إيماناً، وأكثر قوة وقرباً من الله ومن ثَم من عائلتي.