قال: من لحظة معرفتي بك أدركت حجم الألم الذي يسكن عقلك وفؤادك، وعندما اقتربت منك أكثر عرفت مدى المعاناة التي ارتسمت في حنايا نفسك، وكانت سبباً حطم أواصر الألفة، ورفيف التواصل، وزعزع ثقتك بمن حولك، وخنق الرغبة عندك في الاستمرار لإيجاد السعادة مع أي إنسان.
ولم أدرك في البداية الحقيقة التي حرمتك متعة الحياة، ولكن بعد فترة لمست أن شعورك رسم لك الرجل بصورة مهزوزة تجمع في جزئياتها نكسة مخيفة لما حدث لأحاسيسك ومشاعرك حتى بات الألم والمعاناة والخوف هو كل رصيدك المخزون في أعماقك، وعاهدتك بأني سأكون لك بعد زواجنا السند، وأمد لك يد العون والمساعدة، وسأنتشل من داخلك كل ذكرياتك السلبية، وسأنزع الخوف من أعماقك، وتوهمت أن عواطفك كالشمس التي تنشر الضوء والدفء والحرارة، وأن مشاعرك مازالت تحتضن الحنان والعطف والمودة والرحمة.
رجوت منك أن توصدي كل أبواب القهر…والحسرة…والألم…فأنت تتمتعين بعمق الفكر، ورقة المشاعر، وأصالة الطبع، ووضوح الرؤية…..أنت كل المعاني الجميلة، وطلبت منك أن تكملي المشوار معي بحروف متفائلة…تمنيت أن نحلق معاً في آفاق مشبعة بالنقاء، وخالية من التلوث العاطفي، والغبار الاجتماعي، وأن تستمدي سعادتك من سعادتي بوجودك بجانبي، وما فعلت وطلبت كل ذلك إلا من واقع حبي واحترامي واعتزازي وغيرتي عليك، وبكل إخلاص حاولت أن أوقف تاريخي وحياتي وعمري عليك… واعتقدت بأنني توصلت إلى إحياء مساحة الأمل الضئيلة في حياتك….ومسحت آثار الغربة البشعة في أعماقك، وفجرت الطاقة الكامنة في حواسك لدرجة تنسيك حقيقة ما عشتِ، فأنا أعرف جيداً ماذا تحتاج الأنوثة لكي تحيا من جديد، ولكن مع الأسف لم أستطع بمحاولاتي المتعددة أن أغلق كل المنافذ والدروب والأبواب لخبراتك المؤلمة.. ولم يتمكن لهيب مشاعري وصدقها من الوصول إليك، ولم أفلح في ترويضك، وشعرت أن علاقتنا غير متكافئة، أو أني حسبتها كحساب ربح وخسارة.
فالحياة ستسير ولن يوقفها حزن، أو لوعة، أو انتظار، ولن تغذيها نغمة وتر، ولا قصيدة شاعر، ولن تحييها رومانسية عاشق، ولا رشة عطر، هذه هي سنة الحياة، وأنت فقدت بداخلك كل المعاني وبالتالي فإن فاقد الشيء لا يعطيه.
لذا فضلت الانسحاب بالتدريج من حياتك، ولعل هذه التجربة تحيي فيك المشاعر، والأحاسيس الصادقة والمتبادلة ليس فقط كما ترغبين بالأخذ دون عطاء، فالرعاية، والاهتمام، والحب، والتفاهم لابد أن يكون فيها مشاركة، ولن تسير سفينتك بشروطك وتخضع حسب مفاهيمك ونظرتك، ولن تشكلي حياة من معك بمقاييسك، فبهذا المنطق تهدمين كل ما حاولت بناءه، وتهزمين مشاعرك، وتحبطين عواطفك، وستغمدين بيديك السهم في قلبك، وتدقين مسماراً في جسدك، وتنعدم الرؤية الصادقة في نظرك، وإني أدعو الله أن تجدي سعادتك المفقودة، ولن يكون ذلك حتى تقومي بتعديل كل مفاهيمك الخاطئة والقابعة في أعماقك، فإن الله لا يغير ما بقوم؛ حتى يغيروا ما بأنفسهم