mena-gmtdmp

 

قالت: لا أدري إذا كنت ستصدقينني وتشعرين بمعاناتي التي عشتها لسنوات. معاناة من نوع مختلف، لم يتمكن أقرب من حولي الشعور بمدى ألمي وحزني. قصتي كعشرات القصص، التي ظهر البعض منها على السطح، لكن ظل معظمها يختبئ خلف العادات والتقاليد، وأضيف إليهما الجهل.

سيدتي لقد تزوجت من العائلة، كان إنسانًا ورجلاً بمعنى الكلمة، أحبني وأعزني، وأكرمني، وهذا ما كان يتعبني؛ لأنني لم أتمكن من إسعاده كزوج، فقد كان هناك حاجز خفي بيني وبينه. حاجز عاطفي ونفسي ومعنوي لا يشعر به غيري. وكان الألم يعصرني، نعم إنني أحبه حبّاً مختلفاً، وأقدره وأحترمه، وأتمنى إسعاده خلال النهار، لكن عندما يسدل الليل بظلامه أصاب بحالة من الخوف والقشعريرة والهلع. كنت أشعر بنار تشب في جسدي بمجرد أن يلمسني، ووحده الله يعلم كيف كان يمضي الوقت، ورغم عدم تذمره من الوضع فقد كنت حزينة عليه، وكم من المرات أخبرته بأن يتزوج بأخرى لتمنحه حقه الشرعي الذي عجزت أن أمنحه له. بذلت قصارى جهدي لأعالج نفسي، خاصة أنني قد أنجبت طفلة لا ذنب لها فيما أحسه وأشعر به، ووصلت لمرحلة لم تعد لديّ طاقة على التحمل والضغط على أعصابي، وطوال وقتي وأنا أستخير الله، وأطلب منه العون، وأن يمدني سبحانه بالقوة. والمشكلة عندما كنت أخبر أقرب المقربين مني بمعاناتي، وتكون إجابتهم كالسوط يجلد آدميتي وأنوثتي، ويتهمونني بأنني إنسانة خارجة على الأدب وجاحدة للنعمة، والتجأت بعد الله إلى العديد من المشايخ، الذين أخبروني بأنَّ كل الأمور طبيعيَّة، وطرقت أبواب الاختصاصيين النفسيين، لكن لم يتمكن أي منهم من فهم حالتي، كما كنت أحسها، وبعد أن استخرت الله اتخذت القرار وطلبت الطلاق، ووقفت أمام العديد من الجبهات، لم أتمكن من كشف أوراقي، أو التعرض لأمور شخصيَّة، ولم أحاول إقناع أحد بما أعانيه؛ لأنَّهم لن يفهموا أنني تعبت وعانيت حتى حدث الطلاق، وبقيت وحيدة عقاباً لي على ذنب لم أقترفه. لا يهم، لكن بعدها عرف النوم الهادئ طريقه لنفسي، وارتاح ضميري من الوخز الذي كان يؤرقه.

 سأخبرك سيدتي بما يدمي القلب الآن، وبعد مرور سنوات عرفت السبب، فقد اكتشفت العائلة بالصدفة أنَّ زوجي غير محلل لي بسبب الرضاع، نزل الخبر عليَّ كالصاعقة، لكن في قرارة أعماقي قلت هذا هو التفسير المنطقي لكل ما كان يحدث، وكان كل استغرابي أين كان كبار السن من حولي في ذلك الوقت؟ وأين من قمن بالرضاع؟ وانتشر الخبر وكأنَّه مزحة أو غلطة لم يقدروا نتائجها، وتحملت أنا معاناتها بعد أن ضاعت مني أجمل أيام حياتي، ولم أتذوق خلالها معنى الاحتواء والشعور بالأمان النفسي. ماذا أقول؟ ترى هل يعي الأهل مدى خطورة الرضاع، وإغفال أهميَّة كتابتها وتسجيلها؛ حتى لا تضيع حياة أحب الناس إليهم بسبب جهلهم؟