لم أكن أحلم بأكثر من حياة مستقرة وسعيدة لأنعم بالدفء والأمان، لكن مع الأسف لم تمض سوى أشهر، مرَّت كحلم جميل أفقت بعدها على واقع مرير بسبب الشكوك التي تساورك وتحاصرك وتأسرك، ولم أتمكن من أن أُسكن ثورة الغليان من داخلك، وأسيطر عليها حتى لا تمتد وتحرقنا. وتملكتني الحيرة فأنا أحبك فكيف تشك في إخلاصي، وأصبحت أعيش في دوامة مريرة من اليأس بعد أن فقدت حريتي الشخصيَّة، وتماديت، وأصبحت تخطط لي مسار حياتي، وكلما ناقشتك تخبرني بأنَّك قد رسمت لي الخطوط الحمراء والخضراء، وبناء على ذلك ليس من حقي أن أتعداها، وقمت بتحديد إقامتي داخل بيتي، وأن أقطع علاقتي بكل من حولي وأغلق على نفسي باب جنتك؛ حتى جعلتني أعيش في ظل هذا الجو المعتم منذ شكلت كل تلك الشكوك جبالاً من التعاسة التي تقف بيني وبينك، ونشرت ضباباً كثيفاً حجب الرؤية بيننا وكأنني أعيش معك في معتقل، وأخبرتني بأنَّك لن تتغير وما عليَّ سوى الاستسلام، وتحملت في البداية، وتقبلت واقعي على أمل أن تنزاح هذه الغمة، فأنت تعذب نفسك وتعذبني بشكك الذي يجري كالدماء في عروقك، وتعتقد بأنَّني أحطم وجودك كزوج له كلمته وسلطته، وأنا أريدك أن تثق بي، وتلتزم بمسؤولياتك التي أساسها الثِّقة التي يجب أن يتبادلها الزوجان، لكنَّك لا تريد أن تتخلى عن هواجسك.. فأنا لست في موضع الشبهات، وكلامك يعذبني ويدفعني لمخالفتك؛ لأنَّه يتضمن اتهامات مباشرة وغير مباشرة، وهي دليل على عدم ثقتك فيَّ، وكم أخبرتك بأنَّ الحدود في الحياة الزوجيَّة لها مفهوم آخر يتلخص في المعاملة المبنيَّة على التفاهم والثِّقة والحوار والود والاحترام.
يا عزيزي حبُّك أحمق، وأحاسيسك ضالة، ومشاعرك ضريرة، وتعتقد نفسك أنَّك تحسن صنعاً، وتفعل ما يفرضه عليك دورك كرجل راعٍ ومسؤول. هل تظن بأنَّ أسلوبك سيأتي بنتيجة إيجابيَّة؟ لم تفكر في نفسيتي، وكيف لي أن أمنحك حبي وهو مخنوق، وكيف أمنحك ثقتي وأنت قد سلبتها مني؟ إنَّ الإحساس الأكثر قسوة هو الإحساس بالظلم والعجز معاً، فعجزي عن إزاحة الظلم أو حتى مواجهته قضى على البقيَّة الباقية من آدميتي، وألحقت بي الأذى المعنوي والنفسي والعاطفي، وحرمتني من السعادة، فالحال تجاوز كل الحدود، وبدأت الشكوك تتوالى، وكلما منحتك حبي وإخلاصي وخضوعي، ترجع ذلك في ذهنك المريض بأنني أحاول أن أستر ذنباً اقترفته، أو مازلت اقترفه، ولم أتمكن أن استأصل الشكوك التي زرعها الفشل في أعماقك حتى تفشى في أنحائك، وانتشر بسرعة كالجراثيم. حاولت أن أروضك بالحنان عساي أعيد إليك توازنك، لكنَّك أوغلت في غابة الشك إلى منطقة اللا عودة وقد ضاق صدري عن تحمل المزيد من الصبر.. والتضحيات.. وقررت أن أخطو الخطوة التي تعفيني من التعاسة والعناء بغض النظر عما سأدفعه من ثمن.. سأتخذ قراري بملء إرادتي وأتحمل تبعاته كاملة.....