لقطة الموسم

نجاة غفران



أيقظ الولد في أولى ساعات الصباح. زوجته تتبعه كظله، أينما تحرك، ولا تتوقف عن الكلام. «حرام عليك. الولد صغير. ولديه دروسه وامتحاناته. دعه وشأنه. لا تكن متسلطاً...».
لم يرد عليها. جمع أغراضهما ودفع الولد أمامه، واستقلا السيارة.


وقفت عند العتبة تبكي وتستشهد الناس، والناس نيام «سيعقد الولد. ما ذنب المسكين ليتحمل ترهاته؟ ألا يكفيه ما يفعله بي؟ عنيد، متحجر القلب، لن أسامحه إن وقع مكروه لابني. لن أغفر له أبداً...».
انطلقا في الشوارع الهادئة نحو الضواحي. البرد قارس، والنجوم تلمع في سماء الخريف الصافية.


«أمك مجنونة» قال للولد الذي كان يتثاءب ورأسه يميل نحو النافذة «لا تلق لها بالاً. تريدك أن تكبر كالفتاة. أنت رجل يا ولدي، تذكر ذلك دائماً. وانس انعزالك الدائم في غرفتك. اليوم سأريك كيف يتصرف ذوو الشوارب...».
ركن السيارة أمام محطة وقود، ونزل يتزود بما يحتاجه من أكل في السوبرماركت التابع لها. زن زوجته منعه من تجهيز اللازم في البيت.


انتفض حين وجد الولد نائماً في مكانه. «قم... انهض... كان علي أن أرسلك لتشتري الأغراض... لم نخرج للنوم. تصرف كالرجال... قلت لك».
انطلق بالسيارة نحو الغابات المحيطة بالمدينة. الفجر يقترب، ولم يصلا بعد مكان لقائه بأصحابه.


«حين تتم الثامنة عشرة سأسحب رخصة القنص لك، وسأشتري لك بندقية مثل التي أملكها...». وعد ابنه وهو ينظر خلسة له. الولد نعسان، ولا يتوقف عن التثاؤب وعيناه نصف مغلقتين. «انتبه، قلت لك. أمك حولتك لكارثة...».
منذ سنوات وهو يتردد على الغابات التي تطوق العاصمة، لصيد الحجل واليمام والأرانب الوحشية وغيرها من الطرائد المسموح بها. القنص هوايته الأثيرة، ورياضته المفضلة أيضاً. المتعة التي يشعر بها وهو يتأبط بندقيته لا تعادلها متعة، والغنيمة لا تهمه كثيراً بقدر ما تهمه نشوة التصويب وإصابة الهدف واللمة مع أصحابه والحديث مع بقية القناصين المغاربة والأجانب. كثير منهم يأتي من إسبانيا وإيطاليا. وتعرفه عليهم مكنه من التحدث بلغتين كاد ينساهما منذ سنوات دراسته الثانوية.


«بابا... انظر...». نطق ابنه أخيراً، وانحنى نحو نافذته يطل على ما أشار إليه.
بزغ الفجر، وتعالت في سمائه التي بدت في أفقها البعيد أولى خيوط الشمس صفوف من المناطيد الضخمة.


«تباً... ما هذا الهراء؟» شتم وهو يتطلع إلى عقد المناطيد الملونة. حمراء وزرقاء وصفراء وبيضاء مزينة بخطوط من الألوان البهيجة... تطير بهدوء على علو منخفض... وتتمايل وكأن أحداً يدحرجها يمين يسار.
«من سمح بإطلاق هذه المهازل؟ لماذا هنا في الغابات؟ ستنفر الطيور والحيوانات... ماذا سنصطاد؟ تباً... لن أسمح بهذا... تركنا لهم المدينة... ليفعلوا فيها ما يريدون... ما الذي أتى بهم للبرية؟ سأطردهم... لن أدعهم يحولون مجال القنص لمسرح فرجة... أين البندقية... ها... سنرى كيف سيعودون أدراجهم...».
رفع البندقية ويده اليسرى على مقود السيارة، وصرخ ابنه وهو يشد يمناه: «لا يا بابا... ستقتلهم... سيسقط المنطاد...».
«دعني يا مجنون... أعرف ماذا أفعل... سأخيفهم فقط...».
«بابا...».


صرخ الولد وقد أفلت المقود من الأب.
واصلت السيارة اندفاعها نحو الأمام... حيث حافة المنحدر الذي يحاذي المنعطف.
غطى صوت تحطمها على صراخ السياح الذين كانوا يصورون شروق الشمس من المناطيد.


حول بعضهم كاميرات هواتفهم نحو غبار الحطام المتعالي في الهاوية.
مشهد جديد... جدير بالمشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي.