شرارة النكد

أميمة عبد العزيز زاهد


يشتكي بعض الأزواج من التعكير الدائم لصفو حياتهم، ومن النكد المستمر الذي يواجهونه من زوجاتهم، الأمر الذي يدفعهم إلى الابتعاد عن البيت، وهجر أسرهم من أجل راحة البال، وبالمقابل تشتكي بعض الزوجات من نكد أزواجهن، وما يتعرضن له من جفاف في العواطف وكلمات ساخرة تحبط مشاعرهن وتقتل روح البسمة والفرح من أعماقهن، فهذا زوج يشتكي ويقول بمجرد أن أعود إلى البيت تداهمني الكآبة وضيق الصدر؛ لأن زوجتي اعتادت على استقبالي بوجهها العبوس، وتنغيصها المستمر على أمور تافهة، فهي تسعى لتعكير مزاجي بشكل يومي، حتى أصبحت أتحاشى الحديث معها؛ لأنها تختلق المشاكل، لدرجة أثرت في عملي وغاب الضحك والتفاؤل والسرور من حياتي، ولم أتمكن من معرفة سبب نكدها، ولماذا تختفي الابتسامة من وجهها معظم الوقت، على الرغم أني لم اقصر في واجباتي ومسئولياتي تجاهها، حتى بدأ صبري ينفذ وبدأ أطفالنا يتأثرون، وأخاف مع الوقت أن يتولد لديهم عقد نفسية نتيجة للجو المشحون الذي يعيشون فيه، وخوفي أكبر من أن أقوم مرغماً بالانفصال عنها؛ لأنه لا يمكنني أن أعيش في نكد مستمر.


وزوجة تقول زوجي لا يعجبه أي شيء، فهو مزاجي وحساس زيادة عن الحد، فأي أمر مهما صغر يعكر مزاجه ويبدأ بانتقاد كل شيء، بدءاً من ملابسي، لطبخي، لتربيتي للأبناء، ولا أملك إلا أن أصبر وأتحمل، فأنا متأكدة من حبه لي، وعندما يهدأ أخاطبه بكل هدوء وأطلب منه أن يناقشني بدون عصبية، فبهذا الأسلوب سوف يدمر حياتنا، وأحاول أن أخفف من حدته حتى لا تستمر حياتي في نكد متواصل.


أعود وأقول إنه في بعض الأحيان يتحمل الزوج جزءاً من مسئولية النكد في البيت؛ لأنه لا يقدر مدى الجهود التي تبذلها زوجته تجاهه وتجاه مملكتها، وعندما يعود يريدها في أحسن حال، ضاحكة مبتسمة مازحة، وليس له هم سوى إصدار الطلبات والأوامر، دون أن يكترث لتعبها، ومن هنا تنطلق شرارة النكد، والعكس هناك بعض من الزوجات، عندما يعود زوجها بعد عناء يوم شاق إلى بيته، للبحث عن زوجة تحتضنه وتخفف عنه ما به من تعب وهموم، لينعم بالهدوء، تفاجئه بكثرة شكواها وطلباتها، وتسرد سلسله من مشاكل البيت والأولاد والجيران، أو تبدأ بالفوضى والصراخ والشجار مع الأولاد، دون أن تمنحه فرصة ليستريح ويلتقط أنفاسه.


إن استمرار التعامل بالنكد والاستهزاء يغتال الأحاسيس الطيبة، ويقلل من رصيد الذكريات الجميلة، ويزيد من الرصيد السلبي، فالاعتياد على حياة خالية من أبسط معاني الألفة والمودة، يصبح المنزل عالماً لا يطاق لكل منهما، فتنطوي الزوجة على اهتماماتها، ويهرب الزوج إلى أصدقائه، وتتسع الهوة بينهما أكثر وأكثر.


لذا فإن التفاهم بين الأزواج يبقى قضية هامة لاستمرار الحياة الزوجية بأقل قدر ممكن من الأضرار، فاستمرار حالة الاستفزاز والتجاهل والكلمات اللاذعة والساخرة والناقدة، التي يلجأ إليها أي منهما، سواء بقصد أو دون قصد يعني أن هناك مشكلة ولن تحل إلا بالحوار، ويصارح كل منهما الآخر عن شكواه، بأسلوب راقٍ فهذا حق وواجب كل منهما تجاه الآخر، ولا يغيب عن ذهنهما المعنى الحقيقي للمودة والرحمة والألفة.