الصداقة.. قضية شائكة متشعبة، تتخذ اتجاهات متعددة، وتتفرع للعديد من الأبعاد، وقد تكون خيراَ على صاحبها أو وبالاً عليه؛ فالصداقة بكل ما تحتويه من أخوة ومحبة وخلة، أين نحن منها الآن؟
إن الصداقة علاقة مودة ومحبة بين اثنين، تحمل جميع معاني التضحية والصدق والاحترام والوفاء، وقد ورد كثير من المعاني المرادفة لها كالأخوة، الخُلة، القرين، الجليس، ومن الضروري أن يكون للإنسان أخ كصديق أو صديق كأخ، وفي هذه العلاقة ينشد الإنسان الراحة، يقول ويشكو ويطلب الرأي والمشورة والنصيحة، وعندما يطمئن الإنسان ويستريح إلى هذه العلاقة، تصبح نوعاً من الرباط؛ لذا نجد أنفسنا دائماً نبحث عن صديق نثق فيه لنفك قيودنا أمامه بلا تحفظ في الكلام أو الأفكار أو التصرفات؛ فالصديق هو أنت إلا أنه غيرك؛
فالإنسان بطبعه كائن اجتماعي يتفاعل مع الآخرين أخذاً وعطاءً، ولا يستطيع أن يعيش بمفرده، ولا بد له من صديق؛ فلا يكتمل استقراره النفسي حتى يسكن إلى غيره؛ فالصداقة رابطة اجتماعية نفسية تورث الشعور العميق بالعاطفة والمحبة والاحترام، وهذا الشعور الأخوي يولّد في النفس أصدق العواطف الإنسانية في اتخاذ مواقف إيجابية، من الإيثار والرحمة والعفو والتعاون، وبالمقابل فإن أثر الصديق من أعظم الآثار، سواء في اتجاهه نحو الخير أو الشر، ولو نظرنا معاً لأشد أنواع العقوبات سنجدها في السجن الانفرادي؛ فالإنسان لا يستطيع أن يتحمل جهد بقاء حياته ومواجهة أعاصيرها في مختلف جوانبها دون أن يأوي إلى ركن ينير بصيرته ويواسيه،
ولا بد أن تكون لنا وقفة مع أنفسنا تجعلنا نسألها؟ من هو هذا الصديق؟ وكيف نختاره؟ وهل أي إنسان جدير بالانتماء إلينا ليكون هو مرآتنا الصادقة وكاتمَ أسرارِنا؟ ونحن كلنا نثق بالمثل القائل: «قل لي من تعاشر، أقل لك من أنت».
فالصداقة يجب أن تقوم على أسسٍ ومعاييرَ، وتتسم هذه العلاقة بالأبدية ولا تقتصر على فترة زمنية أو مصلحة مؤقتة وتنتهي بانتهائها، لا بد لنا من أن نعيد حساباتنا وندقق في اختيار الصديق.. فالصداقة ليست بالأمر الهين أو مجرد علاقة عابرة في حياتنا لا تترك أثراً لكي نختار أصدقاءنا بمنتهى السهولة، وعلى هذا الأساس كيف يمكننا اختياره؟ فهل نختاره وفق متطلباتنا النفسية؟ أم لأنه مخلص وصادق في مشاعره معنا ومع غيرنا؟ أم لأننا نميل إليه ونرتاح للجلوس معه، بغض النظر عمن يكون هذا الصديق؟ أم لأنه قريب فكرياً من تفكيرنا؟ أم لأننا أعجبنا به لما يتميز به من المكانة الاجتماعية والمنصب الاقتصادي، أم تُرى لأننا معه نرتقي بمشاعرنا وبجلوسنا معه نغذي عقولنا وأرواحنا؟
فكما يقولون إن الصاحب ساحب؛ فهو قد يسحبك للخير أو للشر، وكأي أمر لا بد أن نزنها بميزان ديننا وعقلنا وخلقنا، وأن نستفتي قلوبنا ونحكمها.
علينا أن نعي أن الصداقة رباط مقدس بين من يقدّرون تلك الكلمة الصغيرة في حروفها والكبيرة في معناها، وأن لها حقوقاً وعليها التزامات؛ فالصاحب الحق هو صاحب الكلمة الطيبة، هو من ينصحك بلا دافع سوى مصلحتك؛ فهو يلتزم بواجباته نحوك، ويقدم لك المشورة والرأي الصائب، ويقف بجانبك في حالات الشدة، يفتح أمامك الباب لتمر مشكلاتك بأقل الأضرار؛ فالصداقة الحقيقية لو وُجدت، تعتبر هبة من الله.
ومضة: قال حكيم، انتفعت بأعدائي أكثر مما انتفعت بأصدقائي؛ لأن أعدائي كانوا يعيّرونني بأخطائي فأنتبه لها، وأصدقائي كانوا يزيّنون لي الخطأ.