ضيف جديد

نجاة غفران


وضعت آخر لمسة على ماكياجي، وسرحت شعري، وأنا أبتسم عبر المرآة لابني الصغير. منذ ساعات وهو يتنقل بين شرفة الصالون المطلة على مدخل البناية، وغرفة نومي. سيأتي والده لاصطحابنا إلى المتنزه. فرصة أخرى لرأب صدع علاقتنا.


«ماما... أنت جميلة بكل هذه الألوان. تبدين كالساحرة...»
حقاً؟ نظرت بامتعاض لصورتي. قد أكون أكثرت في وضع المساحيق. لكن... ما هذا التشبيه؟
ارتديت سترتي وأمسكت يد ابني ونحن نغادر الشقة. هاتفي يرن. والد الصغير وصل.


«تعرفين ماما... تلك الساحرة الشريرة التي حولت الأمير إلى ضفدع... لديها أخضر فوق العينين، وأحمر في الفم، ووردي في الوجه مثلك... وأسنانها بيضاء أيضاً...»
ضحكت ونحن ننزل السلالم ونسلم على البواب الذي كان يتحدث مع (زوجي). بين قوسين.


أقول «بين قوسين» لأننا انفصلنا عن بعض منذ ما يقرب العام. لم نطلب الطلاق، لكننا لم نعد نعيش مع بعض. مشاكلنا استفحلت بعد حصوله على ترقيته الأخيرة. لم نعد نراه من كثرة سفرياته. مناقشاتنا حول الأمر تحولت إلى شجار دائم تدخلت فيه عائلته. وحدث الشرخ.


لا أعرف كيف عشت كل هذه الشهور. تملكتني موجة كآبة حولت حياتي إلى جحيم. ولولا ابني الصغير لكنت ارتكبت حماقة. اتصال والده بي لم يفاجئني. وصلتني أخبار كثيرة عنه. هو أيضاً لم يتحمل ما حدث لنا. ونحن الآن نحاول أن نحل مشاكلنا بهدوء ونرجع إلى بعضنا.


أطلت زوجة البواب حين سمعت صوتي وجاءت تسلم علي وتقبل الصغير. «لدي أرانب. هل تريدون واحداً؟» عرضت باسمة، وأعلن زوجها: «إنها أرانب ممتازة. أتينا بها من القرية هذا الأسبوع. تعرفون بأن والدي مريض... ذهبنا لزيارته وجئنا بالكثير من خيرات البادية. زيت وعسل وزيتون وبرتقال وأرانب. أرانب وجدناها تملأ حوش الدار....»
«لا، شكراً...» رد زوجي، وتوسل له ابننا « بابا.. أرجوك. نريد أرنباً...»
تدخلت وشكرت البواب وزوجته ودفعت زوجي خارجاً ونحن نودعهما.


لم يتغير.
لا زال يبسط سيطرته على كل شيء ويأخذ قراراته دون استشارة.
تحركنا بالسيارة واستمر ابننا في التوسل إليه: «أرجوك بابا. لن أطلب منك شيئاً آخر. أريد هذا الأرنب. الأرانب لطيفة... ولن تزعج الجيران مثل الكلاب... أليس كذلك؟»
أحد إخوتي أتى لابننا بجرو صغير. كان ذلك قبل انفصالنا بقليل. رفض زوجي قبوله بحجة أنه سيزعج الجيران. ورغم بكاء طفلنا ومحاولاتي معه، أجبر أخي على إعادة الجرو لأصحابه. كانت تلك القطرة التي أفاضت الكأس وعجلت بابتعادنا عن بعض.


ذكرته بالحكاية وأنا أرتجف من الغيظ. كيف يريدنا أن نعود الى بعض، وهو يرفض حتى مناقشة الأمور البسيطة معنا؟
لم يمرح الصغير في المتنزه، ولم نكد نتحدث معاً. ساد الوجوم بيننا طيلة الصباح.
في النهاية، رافقنا زوجي إلى السيارة، وتوقف قليلاً عندها، ثم أعلن بأنه موافق على استقبال الأرنب. صاح ابننا بفرح وجرى يرتمي في أحضانه، وابتسمت برضا.
بدأت الأمور تتغير.


ذهبنا إلى السوق واشترينا قفصاً كبيراً للأرنب، وكيس قش لنفرشه فيه، وآنية للماء، وجزراً وأوراق خس.
ابننا لم يتوقف عن الحديث بفرح. سيرعى الأرنب ويمنحه اسماً ويلعب معه ويكون أفضل أصدقائه. أخذنا نمازحه ونحن نتبادل النظرات. سعادة ابننا قربتنا أكثر من بعض وأفاضت قلبينا حباً ومودة.
نادى زوجي البواب في مدخل البناية وسأله عن الأرنب الذي عرضه علينا. انفرجت أسارير الرجل ودخل إلى مسكنه وكلم زوجته، وانهمك زوجي في إعداد القفص لاستقبال الضيف الجديد، وهو يثرثر بحماس مع ابننا... وكم كانت دهشتنا كبيرة عندما مد الرجل إلينا الأرنب الموعود.


لم يكن أرنبا حياً.
كان أرنباً معداً للطهي، ومحفوظاً في كيس مبرد.