لقد سقطت من عينيّ

أميمة عبد العزيز زاهد


قالت له: أنا امرأة لا أحني ظهري لألتقط ما سقط من عيني، وأنت يا سيدي قد سقطت من عيني، ومن حواسي، ومن حياتي كلها، وتعلم في قرارة نفسك ما الأسباب التي أوصلتني لهذه المرحلة، فيكفي ما عشته معك ويكفي ما تحملته منك، لم أكن أحلم بأكثر من حياة مستقرة وسعيدة لأنعم بالدفء والأمان، فقد أحببتك بكل صدق وإخلاص ووفاء، لم تقدرها ولم تحترمها، فمع الأسف يا زوجي العزيز لقد سقط قناعك قبل أن ينتهي العام الأول من زواجنا، أشهر مرت كحلم جميل، أفقت بعدها على واقع مرير بسبب الشكوك التي تساورك وتحاصرك وتأسرك، واكتشفت بأن حبك العنيف انقلب إلى شك، وبأن خوفك من أن تفقدني خنقني ودمر حياتنا، وكثرت شكوك وظنونك في سلوكياتي وتصرفاتي، وأقوالي وأفعالي دون أي مبرر سوى أوهام يصورها لك عقلك المريض وقلبك الواهن، ومن قبلها عدم ثقتك في نفسك، فغيرتك شك وعواطفك ضعف وتحملت في البداية، وتقبلت واقعي على أمل أن تنزاح هذه الغمة، فأنت تعذب نفسك وتعذبني بشكك، الذي يجري كالدماء في عروقك، فالشك أكبر عدو للإنسان، وأنا لست في موضع الشبهات، وكلامك يعذبني لأنه يتضمن اتهامات مباشرة وغير مباشرة، وهي دليل على عدم ثقتك فيَّ وتملكتني الحيرة، فأنا أحبك والحب والشك لا يجتمعان، فكيف تشك في إخلاصي وأصبحت أعيش في دوامة من اليأس بعد أن فقدت حريتي الشخصية وتماديت وأصبحت تخطط لي مسار حياتي، وكلما ناقشتك تخبرني بأنك قد رسمت لي الخطوط الحمراء والخضراء، وبناء على ذلك ليس من حقي أن أتعداها، وقمت بتحديد إقامتي داخل بيتي وأغلقت بكل قسوة باب جنتك، حتى لا أخرج منها، فأنت تشك في كل حركة وهمسة وفي أي لحظة لديك هاجس غريب، بأني أخدعك وتضعني تحت الملاحقة المستمرة، وتبحث في أغراضي الخاصة، ووصل بك الأمر بأنك فرضت سياجاً على كل تحركاتي وحرمتني شكوكك من ممارسة حريتي الشخصية، فأبعدتني عن أهلي ومنعتهم من زيارتي، حاربت علاقاتي مع صديقاتي، وظللت تراقبني أثناء ذهابي لعملي، وتكثر خلالها من اتصالاتك، هذا عدا أنك تفاجئني بحضورك إلى المنزل والقيام خلسة بالتنصت والتجسس على محادثاتي التليفونية، والإكثار من التحقيقات والاستفسارات مع من كنت أتكلم وعن ماذا، وحتى عندما أعتني بمظهري تقودك أوهامك إلى نفس الطريق، وكلما منحتك حبي وإخلاصي ترجع ذلك في ذهنك المريض بأني أحاول أن أستر ذنباً اقترفته جعلتني أعيش في ظل هذا الجو المعتم، وشكلت كل تلك الشكوك جبالاً من التعاسة حجبت الرؤية بيني وبينك، ونشرت ضباباً كثيفاً بيننا، وأخبرتني بأنك لن تتغير وما عليَّ سوى الاستسلام، ولم أتمكن من احتواء جنونك فغرقت في دوامة الشك الذي حاولت إنقاذك من براثنه، لكن الشيطان كان أسرع مني وقادك جنونك إلى طريق الدمار دون أن يكون لديك دليل، فماتت مشاعري بعد أن خنقتها ولم تفكر بنفسيتي وكيف لي أن أمنحك حبي وهو مخنوق؟ وكيف أمنحك ثقتي وأنت قد سلبتها مني؟