الغيرة بين الأبناء

أميمة عبد العزيز زاهد


إن العدل بين الأبناء مطلب مهم وضروري في عملية التربية السليمة؛ لأن تفضيل ابن عن آخر أو جنس دون الآخر لأي سبب كان، لا يولد إلا المرارة التى قد تصل إلى العداوة، لأنها تملأ القلوب الصغيرة بمشاعر بغيضة، تنمو مع الأيام وتكبر مع السنين، نتيجة عدم حرص الآباء على العدل.. فالغيرة بين الإخوة سلوك غريزي وطبيعي في أي أسرة مع اختلاف مستوياتها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية.
وتبدأ بوادر الغيرة تظهر في ردات فعل الطفل الأول عند قدوم ضيف جديد، ومن البديهي أنه سيحظى بالاهتمام والرعاية أكثر من الأول، وبذلك قد تثور مشاعر الغيرة في أعماقه تجاه أخيه الذي بدأ يشاركه حب والديه واهتمامهما، وقد يحاول لفت انتباه أمه بطرق مختلفة ليعبر عن غيرته، سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة حسب سنه، وقد يتمرد ويغضب، وقد يؤذي أخاه، وقد نصح خبراء التربية وعلماء النفس بأن يتبع الآباء بعض الخطوات التي من شأنها أن تخفف قليلاً من حدة مشاعر الغيرة، وتوفر بعض الهدوء داخل المنزل، ومنها تهيئة الابن الأكبر نفسياً لاستقبال المولود الجديد؛ حتى لا تهتز مشاعره، مع أهمية الحفاظ على الروتين العادي للطفل قدر الإمكان، وعدم إدخال تغييرات طارئة على نظام حياته بسبب قدوم أخيه، وإعطائه مزيداً من الاهتمام ليشعره بالاطمئنان والأمان، وبأن الضيف لم يسرق منه حب والديه.
والواجب أن يوزع الأبوان حبهما وعطفهما على جميع الأبناء بالعدل والإنصاف، وتجنب عقد مقارنات أو إظهار مشاعر التفضيل تجاه أي منهم؛ لأن ذلك يؤدي إلى تفاقم الإحساس بالغيرة، والتعامل بحكمة مع الخلافات التي قد تنشأ نتيجة الشعور بالغيرة، والاستماع لشكوى كل منهم بصدر رحب..
وتتجاوز أنواع الغيرة وتتفاوت في حدتها، والتى في الغالب تكون نتائجها عكسية، فهناك من يفضل الابن الأكبر ويمنحه الاهتمام الأكثر والرعاية الأوفر، وتكون نتيجة ذلك ابن يعتقد أنه أصبح كل شيء يأمر وينهى، فتحدث عملية القهر والغبن نتيجة لذلك، وبالعكس هناك من يدلل الأصغر لمجرد أنه آخر العنقود، فطلباته أوامر وتصرفاته مهما كانت تؤيد وتكافأ ويدلل من قبل الجميع، والنتيجة ولد مدلل لا مبالٍ، ذو شخصية مهزوزة في المنزل وبعدها في المدرسة؛ لأنه يظن أن على رفاقه ومعلميه أن يتحملوه كما تتحمله أسرته، ولكنه يصبح منبوذاً، ويتجنب من حوله الاختلاط به.
كذلك هناك من يفرق بين الصفات التي وهبها الله للأخوات، فهذه الأحلى أو الأذكى وتلك الاجتماعية والمثقفة أو المرحة مما يترك غضاضة في نفوسهن، أما أعظم وأدهى تفضيل، هو تفضيل الولد على البنت، ومع الأسف فهذه الظاهرة منتشرة في المجتمعات العربية لأسباب بيئية واجتماعية ونفسية، مما تعطي مميزات للولد دون البنت، وتفرض له حقوقاً ليست من حقه، وتزرع بداخله التمييز منذ الصغر، لا لشيء إلا لأنه ولد.
عموماً إن الإنصاف وتوزيع الحب بين الأبناء يجعلهم سعداء متآخين ويبعدهم عن الأمراض النفسية.