mena-gmtdmp

منحة من الله

أميمة عبد العزيز زاهد
قال: الآن وأنا في محنة المرض الذي استنزف جميع قواي. بدأ تفكيري ينصب في نتائج هذه المحنة وسببها، ولما فاجأتني في الوقت الذي كنت أسعى فيه لتدبير مكيدة؛ لإيذاء إنسان في محيط عملي والانتقام منه بغير ذنب جناه‏ سوى رغبة مني في ممارسة هواية الانتقام في إيذاء الآخرين، خاصة لكل من تجرأ عليَّ أو عارضني، وكأنَّ إجازة المرض أتت لتمنحني الفرصة لأول مرَّة في عمري كله؛ لكي أراجع حياتي السابقة، وأصابني هلع رهيب وأنا أستعرض يوم وقوفي بين يدي الله والخوف من عذابه، انتابني شعور بالخجل الممزوج بالألم من نفسي، واسترجعت ذاكرتي تفاصيل ما حدث خلال عشرات الأعوام عندما تشكلت في تلك الفترة معالم شخصيتي. فمنذ الصغر كنت مشاكساً‏ًًًً.‏ لا أتراجع عن خطأ ولا أعتذر عن إساءة‏، وأتوقع ممن حولي أن يخضعوا لإرادتي على الدوام‏، فقد تربيت على مواجهة مواقف الحياة بالشدَّة والعنف، وليس بالحكمة وبالمنطق، ولا بالضعف والاستجداء‏.‏ تعلمت منذ الصغر ألا أكون ضعيفاً؛ حتى لا يفترسني الأقوياء، حتى عندما عزمت على الزواج قررت أن أختار إنسانة مسالمة ضعيفة الشخصيَّة مكسورة الجناح؛ حتى تستسلم لإرادتي، وبالفعل منذ اليوم الأول لحياتنا الزوجيَّة خضعت زوجتي لي خضوعاً تاماً من دون معارضة أو تذمر‏.‏ وكان إحساسي بقوتي وسطوتي يزداد وينمو في داخلي أكثر وأكثر كلما نفذ الجميع ما أقرره، وفي حالة الرفض كنت لا أفكر في شيء سوى في الانتقام من المتمرد وكسر إرادته وإذلاله، وكنت أشعر بارتياح شديد بمشاهدة تعابير وجهه التي يعلوها الألم والقهر.‏ كنت أتعامل باستعلاء شديد وبلهجة آمرة،‏ وكان على الجميع واجب الطاعة فلم أحظ بصداقة حقيقيَّة في حياتي،‏‏ ولم أنجح في اجتذاب أي إنسان، كل هذا وأكثر منه راودني بألم وحسرة، وعجبت كيف كنت أستسهل الظلم والافتراء على من لا يملك دفع كل ذلك عنه،‏ وعجبي أكبر وأشدُّ على من كان يشاركني ويعاونني في تنفيذ المكائد الظالمة، وقد كان حقاً عليهم أن يردوني عنها، أو على الأقل يعتذروا عن مشاركتي في هذا الإثم. ‏وتذكرت قول الله تعالى: «وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم»، فقد تكون محنة المرض المباغت ميلاداً جديداً يرشحني لحياة أعمق، وأتمنى من الله أن يهبني متسعاً من العمر؛ لأصلح كل تلك الأخطاء، ويمنحني بعضاً من الوقت لأتسامح ممن مارست عليهم القوة والعنف والقهر، وسجلت الانتصارات الرخيصة عليهم. إنَّها فرصة لتغيير معالم شخصيتي المتسلطة؛ ابتداء من علاقتي بزوجتي التي لم أنصفها وتجاهلت آدميتها وحقوقها وقراراتها، مروراً بأبنائي وجيراني وأصدقائي وزملائي الذين لم أهتم يوماً بكسب حبِّهم وودهم، ولا حتى احترامهم. ولله الحمد على أن منحني طريق الحياة الفاضلة الآمنة؛ حياة أعيش فيها بسلام مع ذاتي ومع من حولي