بدأت قصتي معك من نقطة واضحة ومحددة، انطلقت من المحطة التي حملتني إلى هذه الرحلة المشؤومة معك يا سيدي، سُجل اسمي في قائمة التعساء الذين فقدوا الشعور بالأمن والأمان، رحلة كان الحزن فيها رفيقي، رغماً عنى... رحلة اخترقت مشاعري، وهزتها من جذورها إلى فروعها وأغصانها، بدأت الرحلة لحظة تزوجتك؛ لأن أهلي قرروا تزويجي لأنك في نظرهم الزوج المثالي بكل المقاييس، تزوجتني في سن صغيرة، وكنت أنت رجلاً ناضجاً واعياً مدركاً وراعياً ومسؤولاً.. وأنا لا أملك من النضج ما يسمح لي بمواجهه تصرفاتك، وبصرف النظر عن رفضي لفكرة الزواج بصفة عامة ورفضي لك كزوج بصفة خاصة.. وبصرف النظر عن فارق العمر بيني وبينك.. ولكني تزوجتك بناء على القواعد والأوامر القبلية التي أحيا بها، وعشت معك في مستعمرة يحيا فيها قطيع من البشر، وكنت أنا من ضمن هذا القطيع، ونظراً لصغر سني فقد كنت بالنسبة للجميع كبش فداء أقوم بأعمالهم وألبي طلباتهم، حاولت التأقلم والرضا بواقعي، وقررت أن أتعرف إلى الرجل الذي أصبح زوجي، أو على الغريب الذي أصبح بين يوم وليلة أقرب قريب، فلم أجد مع الأسف فيك لا الحنان ولا العطف ولا الرحمة، وكان شعارك التعسف والإجبار والقهر والتوبيخ والسب والضرب، حتى أصبحت ريشة في مهب رياحك...
ولم أكن أملك سوى الاستسلام، وقررت أن أتقبل واقعي رغم مرارته، بعد أن غابت عن حياتي كل معاني الرعاية والاهتمام والعطف والمودة والسكن والسند، ورغم محاولاتي المتكررة بأن أرسم ابتسامة على وجهي المجهد كانت الدموع لها الكلمة العليا، خاصة في سكون الليل عندما يلمس رأسي وسادتي، ومر عامان من سنوات عمري البائس معك، كان العذاب هو الإحساس الوحيد الذي رافقني، فلم أتذوق خلالها طعم حنانك، ولم أشعر بحبك، ولم أحس بعطفك، فقسوتك وإهمالك وجبروتك حاصروا آدميتي، واعتقلوا أنوثتي، وقررت ذاتي الاعتصام، وانطويت على نفسي في ركن حجرتي لألوذ من القهر وأبكي وحيدة لحظات، لا أسمع فيها سوى صدى نحيبي... نعم، لقد فشلت في ترويضي كما تزعم؛ لأنك لم تحاول أن تستوعب قلبي الصغير، كنت فتاة حالمة، وفي عيني وميض تفاؤل، كل ذلك اختفى من حياتي بسببك.
لا ليس بسببك فقط، ولكن بسبب تقاليد لم ينزل الله بها من سلطان لا أدري كيف فقدت وجودي وحضوري وأيامي، وعلى قدر جهلي أو حتى على مدى علمي أنا الآن أعاقب بقوة المجتمع العقاب الذي لا يتساوى مع ذنبي، أما حقيقة عذابي الذي سيلازمني بقية أيامي فهو الذي سيكشف لهم إن كنت بريئة أم مذنبة، مظلومة أم ظالمة، جانية أم المجني عليها. ستكشف الأيام لهم ذلك عندما أصاب بالجنون أو بالمرض، وسيعلمون أنهم كانوا بئس الأهل، وكنت أنت بئس الزوج، ستعرف ويعرف الجميع ويقدرون ويستوعبون ويندمون ولكن بعد فوات الأوان.