mena-gmtdmp

مدينة على هيئة بكاء

سلمى الجابري
لم أحتمل ثقل ذاك المرور؛ فالطرقات التي تعرفنا جيداً، كانت تبكي علينا من شدة الحنين، أن أمرّ بمحاذاة كل الأرصفة، كل الإشارات، كل السكنات، وأعمدة الإنارة بمفردي، أن أكون هناك وفي كل مكان من غيرك، أن أحمل أسفار وحدتي فوق عاتقي وأمضي دون دراية، هذا هو الاحتضار الذي يأتي على دفعاتٍ ثم موت. كنتُ في ذات المدينة التي بدأ من عندها كل شيء، كنتُ قريبة من ربكة الأنفاس، ومن انتفاض الشعور، كنتُ هناك أبحث عن لقائنا البكر، عن لحظتنا الأولى، وعن الانتفاضة التي خلدت غليان مشاعرنا عنوة، كنت هناك أتحسس عِظم هذا الفقد، وأردد أمام كل التفاصيل الخامدة، سنعود للحياة، سيخنقنا العدم، وسنعود رغماً عنّا، لكني في الحقيقة كنت أختنق بمفردي، أبكيك، أناديك، وأعانق الفراغ نيابةً عنك بمفردي. من المضحك أن نصل لأقصى الاعتياد بكامل عاطفتنا، في ذات اللحظة التي تغتال فيها ذاكرتنا. أيها الغائب من وجه البسيطة، والجانح ببقايا الشعور، ها أنا بلغتُ من الحزن ألف دمعة واكتواء، إن كان يعنيك هذا العجز العاطفيّ الذي بات يعانقني -فلتعد- حتى تخضرّ في عينيّ الحياة، حتى أحب النوارس من جديد. وعلى مشارف الانتظار أبدأ بترتيب الصور الناقصة، والمشهد المبتور، أبحث عن الخلل، ولا أجد سوى كذبة، كذبة تم تلميعها وحشوها، كذبة جاءت مناسبة وصالحة لبداية خائبة، ولعلاقةٍ مؤقتة، ككل اللحظات المؤقتة التي نعيشها ونحن على علمٍ بها، لكننا نتصنع الجهل؛ بل الغباء؛ حتى نعطي المشهد العام ذاك البريق الزائف، والذي بسببه نشعر بسلامٍ لحظيّ. أيها الرجل الكذبة الذي كان يعني لي الكثير، سأكتبك دوماً بأحزانٍ ملبّدة، وبحنين فائض؛ فالحب، كل الحب الذي كنتُ عليه، بتُ خاوية منه، لا شيء سيملأني الآن سوى العدم