كيف لبشرٍ أن يحولوا بيني وبينك؟ وكيف جعلوك تنساني؟ أما كان بيننا وثاق أبدي؟ ألم أكن أنا من أمثل لك مصدر سعادتك، وشهد كلماتك؟ أنا التي كنت بدايةً لمولدك من جديد، وسبباً في تغيير نظرتك للحياة، أنا التي كنت تتحدث معها في صحوك ومنامك، وفي قمة انشغالك، فلم تكن تحسب اليوم الذي لا تسمع فيه صوتي، كنت تخترع المناسبات من دون وجود مناسبة لتقترب مني. أنا التي كنت تراسلني برسائل لا تعدّ ولا تُحصى. أنا التي كانت مستودعاً لأسرارك، وشريكة أفكارك ومشاريعك. أنا التي كنت تبكي أمامي لتزيح عن كاهلك همومك لتستريح. أنا التي كنت تتكبد من أجلها المسافات وتتحدى الصعاب من أجل أن تراني. أنا التي كنت تعاني لو سمعت مني الآه أو الشكوى، التي كانت تؤلمك أكثر مما تؤلمني. أنا التي كنت تمضي ساعاتك بالتفكير في أي وسيلة تساهم في إسعادي. أنا التي كنت تحاول إقناعي بقدرتك على تحقيق كل طموحاتي وآمالي، أتراك تذكر أم نسيت أنني كنت تلك الإنسانة التي لم يكن يهنأ لك بال لحظة مرضي، وكنت تتلهف للاطمئنان عليَّ، وترسل لي باقات الزهور من على بُعد آلاف الأميال. أنا التي كنت تلح لتعرف أدق أسراري، وخط سيري، فلا تدعني أمارس حياتي، كما أريد، بل كما تريد أنت، فكنت أستجيب للحظة ندائك مهما كانت مسؤولياتي، ومهما كانت ظروفي، فرفعتني بتصرفاتك وأخلاقك وأحلامك لسابع سماء، وأشعرتني بأمان لا حدود له، وبهدوء نفسي لا نهاية له، وأقنعتني بكلامك عن صدق نياتك وإصرارك في المضي إلى نهاية مشوارنا، وبأنَّ الله معنا، وهو سبحانه من سيحقق لنا ما نتمناه، ووجدت نفسي أقف على عتبة تحقيق الحلم الذي طال انتظاره، وبعدما وهبتني كل تلك الأحاسيس والمشاعر، وبعدما جعلتني أدمن حبك، وبعدما عرفت كيف تقود عواطفي وتوجهها نحوك، وبعدما فضلتك على ذاتي وعلى كل ما أملك، وبعدما زرعت الطمأنينة في أعماقي، ووضعت كل ثقتي فيك وتعلقت بك بلا حدود، بعد كل تلك المشاعر والعواطف التي وهبتها لي تريد الآن وبمنتهى السهولة أن تتركني.. أتذكر عندما كنت أبث لك هواجسي وخوفي من أن أفقد يوماً هذا الإحساس الرائع، أو أن أفقدك، كنت لا تدعني أكمل حديثي وتغضب من سوء ظني وشكي في حبك.
لو تعلم أنَّ عقلي لن يقبل أبداً أن ينسى أنك كنت معي، ولن أتنازل عن حبك، ولن أعتبرك ذكرى وماضياً وانتهى، فكيف تريدني يا سيدي أن أمحو الشريط لأبدأ بشريط آخر؟ كيف تريدني أن أنساك؟ كيف؟ أخبرني! كيف أبتعد وأنا أرفض رحيلك؟ فجذور عواطفك ما زالت مغروسة في أعمق أعماقي، وسأظل أردد دوماً، سواء سمعتني أم لم تسمعني، بأنَّ حبَّك لا يزال يسري في دمي، كما أنني متأكدة بأنَّ حبي لا يزال يجري في دمك، سواء بعدت أو أنكرت أو تجاهلت.