حاميها حراميها

نجاة غفران

 

 

قررنا أن نقضي أسبوع راحتنا على ضفاف نهر أم الربيع، الطقس جميل هذه الأيام، والمناظر خلابة هناك، وفي الواقع، هي فرصة لا تعوض لننجز بعض أعمال مشروعنا السنوي في كلية الفنون، كان هذا برنامجي.. لكنني أصبت بحمى شديدة في أول ليلة قضيناها في المخيم، وساءت حالتي لدرجة أن زملائي نقلوني إلى أقرب مركز صحي، واضطررت مرغمة إلى أن أودع أصدقائي وأعود إلى البيت.

لم أر والديّ منذ شهرين، هما دائما التنقل. الاثنان يعملان في مجال السياحة، وتنقلاتهما الكثيرة أمر تتطلبه طبيعة شغلهما، ومنذ أيام، اتصلا بي ليُعلماني بأنهما سيكونان خارج البلاد في فترة إجازتي، ولذا تحمست كثيرًا لفكرة التخييم؛ فرفقة زملائي ستخلصني من وحشة البقاء لوحدي في بيت معزول.

أوصلني التاكسي من المحطة إلى البيت في وقت متأخر جدًا، صعدت بإعياء إلى غرفتي، ورميت حقيبة ظهري فوق السرير، وارتميت قربها وغططت في نوم عميق.

أفقت على أصوات بعيدة قادمة من مكان ما، تقلبت بصعوبة في الفراش،  قمت ببطء ورأسي يدور، وفتحت الباب، وتناهت إلى مسامعي أصوات واضحة في الأسفل.

«وهل تظنهما يأبهان للأمر؟ الأموال تنهمر كالشلال عليهما، يعيشان حياة الملوك.. وينبغي أن يدفعا لنا راتبًا مجزيًا لقاء خدماتنا..».

«لا تبالغي يا سميرة، أية خدمات؟ أن نلقي نظرة على البيت من حين لآخر ونسقي النباتات؟

«كثيرون يستأجرون مثل هذه الخدمات، ما شأننا نحن بتفقد منزلهما؟

«حقا..؟» ضحكة ساخرة، وصوت آنية تحرك بعنف..

اقتربت بحذر من الحاجز الخشبي المطل على الصالون السفلي، ورأيتهما.. جيراننا الأقربون، الأستاذ كرم، موظف البلدية المحال على المعاش، وزوجته السيدة سميرة.

«أنهِ قهوتك بسرعة واتصل بصاحبك الغبي، قال إنه سيكون عندنا في ثوان، ماذا يصنع؟»

«لا أدري، ولكنني غير مرتاح للأمر، ماذا لو انتبها لما يحصل..؟

«فليكن، نحن لم نر شيئًا، قدمنا كما طُلب منا لسقي النباتات، ولا شأن لنا إن سطا اللصوص على البيت، تلك مشكلتهما..».

«ولكن..».

«يا لغبائك، ليست المرة الأولى التي نأخذ فيها أغراضًا لا ينتبه إليها أحد، انظر حولك.. البيت مثقل بالتحف والديكورات القادمة من كل أنحاء العالم،  هل ستظنهما سيتفقدان القبو ليريا ما الذي اختفى منه؟ في كل الأحوال، نحن نقوم بعمل نستحق أن نأخذ أجرة عليه، وما داما لا يريدان أن يفهما ذلك.. فنحن نأخذ حقنا بأيدينا..». رن جرس الباب، وتراجعت بخوف إلى الوراء.

والداي تركا بيتهما لعصابة.

دخل شخص قوي البنية، وسبقه الأستاذ كرم ولحقت به زوجته إلى الممر الموصل إلى القبو.

تملكني الخوف، ما الذي يمكن أن يصنعاه بي إن اكتشفا وجودي؟

«احذرا.. لا أريده أن يصاب بخدش.. اسمع يا.. يا.. نعم.. سلوم.. أعرف جيدًا قيمة المذياع..».

فتحت سميرة الباب لزوجها وللمدعو سلوم، كانا يحملان مذياع جدي الضخم القديم.

لن تبيعه قبل أن أرى الشاري وأتحدث معه، لا تخف، ستنال نصيبك وستفرح، وإن شاء الله لن تكون صفقتنا الوحيدة، لدينا المزيد من التحف والديكورات. انتبها.. هيا.. هيا.. مع السلامة الآن.. لديّ ما أقوم به..».

تراجعت للوراء وأنا أرتجف، ونقرت رقم الشرطة وأنا أتنفس بصعوبة وأحبس دموعي.