نحن نتكاثر مع الكتب

سلمى الجابري

 

أنا الآن غارقة بظلامي، لا ضوء يتسلل من بين شقوقي، لم أجد حرفًا يساعدني على كتابةِ ألمٍ جديد بعد؛ فأنا أخاف جدًا من ذكريات غيري، من كتب غيري، أشعر وكأن هنالك عينًا قد تقرأه معي، يدًا ستتحسس أوراقه، سكناته، أسطره نيابةً عني، حتمًا هنالك رائحة عالقة بين طياته غير رائحتي، لا أعلم فأنا أشعر بأن الأمر مقدس، مربك ومخيف جدًا، أن تقرأ كتبًا ليست لك، كتبًا لم تتعب كثيرًا في اقتنائها، لم تحتر في عناوينها، ولم تسهر طويلًا على قراءتها.
أنا لا أخلق الشعور، شعوري تام، كامل، النقص في أفكاري فقط، لم أعد أحتجّ كثيرًا، كل شيء من حولي تركته يسبقني، يبتعد كثيرًا عني، لطالما تشبثت بالكثير، ولم يتشبث بي سواي، العزاء كل العزاء، عندما تحتضنك، عندما تشعر بك، عندما تتحدث معك، تعاتبك، تصرخ في وجه خوفك، ثم تمسد موضع ألمك دون أن تكون بحاجةٍ لأحد غيرك.
الكتب تشعر بنا، تحتاجنا، تحتاج أن ننفض عنها غبارها، أن نغير رفها، أن نجعل من حولها رفقة، كالموسيقى التي تبقى عالقة بلحنها دون صوتٍ يتممها.
نحن نتكاثر مع الكتب، نتداخل جدًا مع شخوصها، نركض، نلهث، نسقط، نخاف، نتعرى، نتطهر بين حيواتها، وعندما تحين النهاية، ننتهي معها، نجتر من ذاكرتنا في آخر صفحاتها ثم نبدأ من جديد مع كتابٍ آخر دون أن نتوقف، وليس علينا ذلك.
لا تخسر ما تبقى لك من الوقت، هنالك كتب عليك قراءتها، هنالك صفحة عليك الوقوف عندها، هنالك سطر ينتظرك، هنالك كلمة تريدك أن تقع في حبها، والأهم من ذلك كله، هنالك حدث ليس عليك تجاهله.