ألا يخيفك هاجس التلاشي؟

سلمى الجابري

 

لا شيء يشبه ما كان عليه سابقًا؛ حتى أنا، وأنت ونحن جميعًا، ليس عليك أن تردد أمام الجميع، أنك لم تتغير في كل مرّة تُدير لنا فيها ظهرك فيها ثم تمضي عبثًا.
من فينا لم تعجنه الحياة جيدًا! إذا كانت الحياة تتجدد بشكلٍ مستمر، ما الذي سيبقى على حاله إذًا! لا أحد، لا شيء.
كبرنا، أثقلتنا الذكريات، نحن المكتظين ببقايا الشعور، وبوميضِ حبٍ خائب لم يعد يغريه البقاء، ما عسانا أن نفعل والعالم يربض بعيدًا عنّا!
لا تقل لي إن هاجس التلاشي لا يخيفك، وأن تلك الفكرة لا تقلقك، تصوّر أن تكون أنت العدم الذي يبتلع كل المُتع الصغيرة دون أن يعيدها لأصحابها، تصوّر أن تلفظ أنفاسك دون يدٍ تتلقفك، تربت فوق قلبك، دون عينٍ تبكي عليك، هكذا في الخواء ينتهي كل شيء دون عودة، أنت وحيد، الوحدة تنتفض، تأكل نفسها باستمرار، تتجاوزك أحيانًا، وتارة تسير معك، ترافقك، كصديقتك، كامرأتك، كظلك، ثم تتركك عاريًا من حقيقة وجودك، من زحمة أصدقائك، تجرّدك من تفاصيلك، ثم تعرّضك للفراغ، وهكذا مجددًا ستعود لتتحول إلى العدم الذي يبتلع كل شيء واللا شيء، أمازال هاجس التلاشي لا يخيفك؟
أرواحنا قد أصابها الوهن، دورتها في الحياة العاطفيّة قصيرة، لم تعد تحتمل المزيد من الخيبات، من خونة الذكريات، لقد توقف شبابها عند مفرق الطرق القديمة، تلك التي انتهى عندها كل شيء ولم يعد كما كان، عند الفراق الأول كانت تدرك جيدًا أنه سيأتي ما سيعيد لها وجاهتها، وعند الفراق الثاني كانت تشعر بأنها ستجد من ستتكئ عليه دون أن يخذلها، وعند الفراق الثالث حاولت استجماع أنفاسها وهي تردد أنه سيكون الفراق الأخير، حتمًا لن أستمر بهذا اليتم طويلاً، وبعد كل خيبة غير متوقعة كادت تشهق بالموت حتى انطفأ كل أملٍ يشع منها، لقد قتلوا كلّ ما فيها من حياة، من ذا الذي سيلومها على وجعها؟