نخاف من الغرباء

سلمى الجابري

 

من السهل أن نخلق أي شيء من العدم، ما عدا فكرة واحدة، فكرة نرفع بها سقف توقعاتنا بهم، دون أن نجترح الذكرى، من الجميل أحيانًا، لو أننا نكتفي بالنظر لبعضِ الوجوه، دون المحاولة للاقتراب منها، للتعرف عليها، لمحادثتها، أو حتى لبعثرةِ الجراحِ أمامها.
المسافة التي نضعها للبعض، ليست آتية من العدم، نحن بطبيعة الحال نخاف كثيرًا من الغرباء، ونخشى أكثر من العابرين، الذين يملكون قدرة التوغل بين ذواتنا وبيننا، حتى نفضي بما في داخلنا دفعةً واحدة، ثم يرحلون وكأن لا شيء حدث، وكأنهم معتادون جدًا على سماع كل هموم العالمين، دون أن يظهروا أية شفقة أو تعاطفًا، وهذا الأمر مخيف.
بداخلنا تعم الفوضى، لا من يدٍ ترتبها، تغير أثاثها، تنفض عنها الغبار، تعطرها، تنثر بين جنباتها شيئًا من الحب، ثم تغطيها بسلام، لا أحد يهدهد فزعنا في الليالي العاصفة، غير الحنين، وحتى الحنين حين يجيء، يجيء إلينا بكلِ نزقه وبكائه، ككل من رحل، ككل من سيرحل، لا أحد سيبقى هنا، بجانبِ هذا القلب الحزين، الكل بيدهِ السكين؛ ليجرح؛ ليغرز؛ ليقتل هذا المسكين.
العزاء، كل العزاء، في أغنية دافئة، أغنية تبث الرغبة فينا، الرغبة بأن نحب الراحلين كما هم، بأن نحب الباقين بأكثر مما هم عليه، الرغبة بأن نتصالح مع الجرح، مع هذا الوهن قبل أن تتداعى المشاعر أكثر، العزاء في الكلمة، في اللغة، في الحرف الصامد أمام كل موريات الشعور، العزاء في القصائد، في النصوص، في الروايات المتداخلة بسردها، بشخوصها، بعوالمها وحيواتها، بأن تخفف من حدة هذا القلب ووجعه بأكثر الطرق سلمية.
فكم هو متعبٌ العيش دون أن نفكر بالخطوة القادمة، تلك الخطوة التي قد تقلبنا رأسًا على عقب، دون أن نعلم إلى أين سنمضي، أو متى يتوجب علينا أن نقف؛ فهذه الخطوة فارقة جدًا بين عمرٍ مضى، وبين عمرٍ سيأتي، وخطوتي إليك كانت مباغتة، لم يكن لديّ الكثير من الوقت كي أحلل الأفكار، أو حتى لأتأكد من سلامة الطرقات التي قد تأتيني بك، أو قد تدفعني إليك، لكنني جئتك وأنا خالية من الذكريات، مستعدة تمامًا للحب، وللاحتراق من جديد.