هاويتي الأخيرة في عينك

سلمى الجابري

 


لم ننتهِ، لم نبتعد، كلّ ما في الأمر أن طريقنا قد اختلف، فأبعدتنا الأقدار شيئًا فشيئًا، لكننا معًا، ما زلنا كذلك، نتلوى بالذكرى، يحرقنا الحنين، نترقب، نراهن، نتشارك ذات الأغنيات، والبكاء. لم تمت قصتنا بعد، هنالك فراغٌ سنكمله، في وقتٍ لم نتوقعه.
لم يكن حبنا عاديًا، كي ينتهي دون أن تتوقف الأزمنة، دون أن تترمل النساء، ويموت جميع الرجال، لم يكن عاديًا كي يطوى دون أن يُحدث شقًا في دواخلنا لا يمكننا سدّه إلا بحبٍ أعظم، وحبنا كان عظيمًا بما فيه الكفاية كي لا يُنسى.
حزني علينا يروق للنوارسِ العبثيّة، نليق برومانسيتها الضائعة، نحن مشهدها اليوميّ من الاحتياج، من الفقد، والاجتياح.. أتتخيل ذلك؟
لن أموت بعيدةً عن قلبك، سأظلّ أحشو الليل الغليظ بالحب حتى تأتي، فهاويتي الأخيرة في عينك.
لم يكن الأمر بسيطًا أن أقاتل، أن أتجاوز هذا الكم الهائل من الخيبات والوحشة بمفردي، لكنني وبرغم ذلك واجهتها بهزائمي الصغيرة دونك. كنت معي، كما كنتُ معك، ضياعنا واحد تمامًا كما كان لقاءنا، أنت ثباتي الوحيد حينما ينزلق العالم من قلبي.
أنا أعلم جيدًا كم هو الأمر شاق أن تظلّ متقدًا بسببِ الحنين، لكنه ليس بقسوة أن تشتّم رائحتهم كل ليلة قبل أن تنام. نحن أسرى الحب الأول، من الصعب أن نتجاوزه بأشباهِ الحب، لذا إياك أن تتجاوزني، أو أن تحاول حتى، لن تحبك امرأة أخرى وأنت كلّ ما فيك عائد لي.
أن نتخلص من بقايا الذكرى الملتصقة بدواخلنا؛ هذه مسألة مصيرية، تقف أمامها الحياة والموت معًا، أن تنزع من جلدك لمستهم الأخيرة، أن تزيح من فوق كتفك رأسهم، أن تخرج من روحك روحهم، أن تبعد عينك عن صورتهم، أن تبتر كل يدٍ تذكرك بهم، عليك أن تولد من جديد قبل أن تفعلها يا قلبي.