ماذا حدث لي؟ لماذا جفا النوم عينيّ رغم أن النوم يغلبني، والنعاس يصارعني! إنها ليست المرة الأولى، فقد تعودت على الأرق، ولكن لمَ اليوم أشعر بالدموع تنهمر دون استئذان، وفي حلقي غصَّة تأبى الخروج من حنجرتي! لماذا ينتابني هذا الألم العميق! لماذا اليوم تكالبت ذاكرتي وعرضت أمامي شاشة بحجم حجرتي، مما زاد في معاناتي، وسحبت من رصيدي المتبقي للشعور بالسعادة؟ شاشة أشاهد فيها مواقف فشلي منذ البداية، وحتى النهاية، أعرف أن الاختيار الوحيد لتصرفات الإنسان وتصوراته عن نفسه هو في النهاية من يختاره بنفسه. فهل اخترت أنا لذاتي ورسمت يداي طريق فشلي دون إرادة منى، أم هي تصورات من وحي خيالي وتفكيري، أم من اختراعي، أم هو إحساس نابع من أعماقي وذاتي؟ لم بدأت أحس بأني من فئة المستضعفين في الأرض؟! إذا سلمت بذلك فأنا إذن لم أكن يوماً إنسانة طيبة ولا مسالمة ولا متسامحة ولا معطاءة، بل أنا إنسانة ضعيفة هشة وسلبية، فشريط حياتي يقول ذلك؛ فمنذ أن تعودت أن أتحمل مسؤولية عقلي وتفكيري وتصرفاتي قررت بأن أكون متسامحة لأقصى الحدود، لكل من يسيء لذاتي، فكانت النتيجة أن ظلمني الآخرون. حرصت على عدم إغضابهم فتهاونوا في استنزافي. تسامحت في حقوقي فسلبت مني. خجلت من إيذاء مشاعر غيري فآذيت مشاعري. منحت للبعض قيمة أكبر من حجمهم فتمادوا في متطلباتهم. فعلت كل ذلك ليرتاح ضميري. فكثر عنائي. كنت أنام يومي وأنا أشعر بالظلم. اكتشفت أنني كنت واهمة؛ فقد كنت في نظرهم أنام وأنا الظالمة. معنى ذلك أن كل تلك المعاناة والضغوط التي عصرتني وعاصرتها لم يكن لها مبرر، إنها الحقيقة التي غابت عني! أو غيبّتها عن نفسي، ولم أفق عليها إلا بعد فوات الأوان!
أعترف، مع الأسف، بفشلي الماثل أمامي... فكنت أظن أن الكلمة الطيبة لها مفعول عجيب للقلوب القاسية، كنت أتخيل أني سأكسب الجميع ببساطة تعاملي وطيبتي، كنت واهمة بأن عطائي، وإن طال الأمد، سيأتي عليه يوم ويثمر، فبالصبر سأجني الحصاد، ولكني جنيت خيبة الأمل، وتذكرت قانون الغاب الذي لم أقتنع به يوماً، والذي يقول إذا لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب... أحسست لحظتها بأنه قد حان الوقت لأقتنع به؛ فالبقاء في هذه الدنيا للأقوى وليس للأصلح، ولكني عدت وتراجعت؛ فلا مكان لي بين الأقوياء؛ لأني حتى وأنا في قمة قلقي وحيرتي وثورتي على ذاتي مازلت على يقين بأني سوف أجتاز المحنة، وبأني لن أخسر من أمامي. ولكن بالمقابل تمزقت إرادتي، وأصيبت إنسانيتي بجروح، إني لا أرثي على الحالة التي وصلت إليها؛ لأنها غلطتي، فلم أقل ذلك لأستدر حباً أو عطفاً أو شفقة، ولكنها حاجتي للبوح لأنسف ذلك الجبل الهامد فوق صدري، ولأطلق صرخة صادقة من أعماقي تقول: أحبوا بلا حدود، تسامحوا بلا حدود، أعطوا بلا حدود، ولكن تمسكوا بكامل حقوقكم لأقصى حدود.