حالة افتقاد

محمد فهد الحارثي



حينما نفتقد الطاهرين، نلجأ إلى رصيد الذكريات. نحاول أن نعوض غيابهم بشيء من الأوهام، نفتقدهم ونكتشف كم كنا جاهلين وساذجين عندما ركبنا الموجه البعيدة، حينما نصل الشاطئ الآخر الذي كان يشغلنا بألوانه وغموضه، نكتشف بقدر ما هو رائع من بعيد، بقدر ما هو مشوه ومتناقض من الداخل، بعض الأشياء تكون أجمل حينما تحافظ على المسافة نفسها بينها وبينك، ولا تغامر بالاقتراب منها.


رسمت خيالات وقادتني خطوات، وركضت بلهفة البدايات. كنت أحسب أن ما يرسمه الخيال تترجمه الحقيقة، واكتشفت أن الواقع في ذاته، كيان قاس في حضوره، جامد في شعوره، يفرض نفسه متجاهلاً كل الخيالات الجميلة، يا لهذا الواقع الفظ، كم اغتال من أحلام كثيرة، نعم، بعدما غامرت ووصلت، واجهت الحقيقة بكل ألوانها القاتمة، فانفصلت عن الواقع، وتصادقت مع الذكريات، كل كلمة كنت أسمعها تعيدني إليك آلاف المرات، كل ابتسامة عابرة تحملني إليك كطفل صغير، أرهقتني المقارنات، أجمل الانتصارات حينما يحققها الأشخاص من دون أن يعلموا. أنت نقاء فطري لا يحتاج إلى التصنع والتمثيل، جمال يمتزج خارجه البهي مع داخله المضيء، بعض الأشخاص لا يحتاجون للاجتهاد لدخول قلوب الآخرين، كونهم أنفسهم جواز المرور للوصول إلى مشاعر الآخرين، وأنت كونك بذاتك، استثناء في عالم المتشابهات، رقي في بساطة، ذكاء في هدوء، عطاء في تواضع، قضيتي معك أنني كل يوم أكتشف لك تعريفاً جديداً وكأنني للتو عرفتك، الناس الأنقياء ربما لا يثيرون الصخب في حضورهم، لكنه ضجيج قاس في غيابهم.



ماذا عساني أن أقول؟ التجربة علمتني أن ليس كل ما يلمع ألماساً، وعلمتني أكثر أن الجواهر بجوارك مجرد أحجار، هل يمكن أن أعيد عقارب الساعة إلى الوراء، هل يمكن أن أستعيد طفولتي وفرحتي وعفويتي، التي تاهت في طرق المغامرات؟ أشعر بالغربة، هل يمكن أن أستعيدك لكي أكون ذاتي؟ 


اليوم الثامن: 
أجمل ما في الأخطاء 
أنها تعلمنا قيمة النقاء