مسار حياة أم تعرض ابنها للاغتصاب

عاشت فوزية مأساة استثنائية غيرت مجرى حياتها ككل، وهي الفتاة القروية التي تربت على الأخلاق الطيبة واعتبرت شرفها وكرامتها تاج رأسها دائماً لم يكن لها حظ في الدراسة. لكنها تسلحت بإيمانها وقوتها التي استمدتها من قيم البادية وصفائها، خرجت صغيرة الى المدن المجاورة لقريتها فكدت من اجل لقمة عيش نظيف، وذات مرة التقت رجلاً وسيماً مؤدباً أوصلها إلى عنوان بيت تاهت عنه، ولكن الرجل بدأ يتعقبها وأصر أن تكون زوجته رغم ظروفه الصعبة من ظروفها، فقد حرم من والديه الذين هاجرا إلى أوروبا، وعاش في كنف جدته إلى ماتت، وبقي وحيداً يعمل بشكل متقطع، ويتلقى مصروفاً من والديه في معظم الأحيان، رفضت فوزية مصرة على أنها لن تتزوج من دون موافقة أهله وحضورهم. لم يكن الأمر ممكنا، تقول: تزوجني غصباً عني تقريباً، كان رجلاً مدللاً..
خيانة بعد معاناة
وتضيف:عانيت الأمرين لتأسيس أسرة تتكون اليوم من طفلين وطفلة، عانيت بعد ولادة طفلي الأول من جحود زوجي الدي اكتشفت خيانته على حين غرة وتألمت كثيراً، واعتبرني السبب لأنني لا أهتم بنفسي، تعبت نفسياً واستشرت الفقهاء وأعلن هو توبته، وبدأت أبرأ من صدمتي قليلاً قبل أن يحدث مالم يكن في الحسبان، حين تعرض ابني الأوسط للاغتصاب، فعلى الرغم من أنني أراقبه باستمرار تأخر قليلاً ذات مرة فقلت له: أين كنت فأجابني أن الحانوتي فلان أعطاه قطعة حلوى، ولا حظت أنه متعب على غير عادته، لم أطمئن وذهبت به إلى الطبيب وكشف عليه، وبدأ الشك يساورني خاصة حينما بدأ يتبول في الفراش بل ويقضي حاجته كلها فيه، حملته للطبيب النفسي وبالفعل اكتشفنا أن ابني تعرض للاغتصاب، كدت أجن وساورني القلق والغضب وفكرت بألف طريقة لقتل الجاني الذي لم يكن سوى الحانوتي الشاب، ترددت في إخبار العائلة لكنني صممت على الصمت، لم استطع إخبار حتى زوجي لأني أعرف مدى اندفاعه وسيقتله لا محالة، عشت مأساتي وحيدة ومهمومة، لم أظهر أي شيء لزوجي وبدأت اتحرك هنا وهناك. واجهت الجاني بفعلته لكنه بدا مرتبكاً وجباناً وأقسمت أن انتقم لابني، أقمت دعوى في المحكمة وقمت بإجراء التحاليل خوف أن يصاب ابني بمرض معد..
هاجس المرض
تتابع فوزية حديثها: عشت كل الهواجس الممكنة وتسلحت بايماني بحقي، طرقت باب وزير الصحة وصرخت في وجه كل من كان يمنعني من مقابلة مسؤول كي أحكي قصتي. وبالفعل أثمرت تحركاتيوجاءت سيارة الشرطة لاعتقال الجاني، وكنت أنا أول من ركب معه وطلبت من ابني أن يصفعه بقوة ليطفىء خوفه ورعبه بعدما هدده بالذبح بسكين إن هو أافشى السر، ولن أنسى هنا وقفة جمعية "ماتقيش ولادي" فقد اتصلت بنجية أديب فتبنت قضيتي، وأشكر هنا محامي الجمعية محمد الصوفي الدي ساعدني كثيراً، خاصة بعدما نطق الحكم بثلاث سنوات سجناً، جن جنوني وهنا استأنفنا الحكم بمعية الجمعية وحكم عليه 8 سنوات، لكن عدد السنين لن تشفي ناري، وأفكر أن أرفع قضية ضد هذا الاجراء، فقد أصبحت اليوم أكثر وعياً رغم أني لا أقرا ولا أكتب، أخبرت زوجي في آخر المطاف حينما انتهى الأمر وتم القبض على الجاني/ وعشت من جديد معه ومع العائلة أزمة أخرى، إذ لم يتقبلوا أبداً أن أفعل كل شيء وحدي، ولم يتفهموا أنني فعلت كل هذا لكي أتفادى ضحايا آخرين. لكن رب نقمة في طيها نعمة انفتحت على عالم صعب تعيشه عائلات كثيرة بسبب مجرمين يغتصبون براءة الأطفال. أصبحت افكر بقلبهم وأحس بآلامهم وأسعى جاهدة لمساعدتهم ، فمن لم يجرب ألم اغتصاب فلدة كبده لن يشعر بهم، إنها أقسى الجرائم، فحتى الآن لايزال ابني يتعالج عند طبيب مختص وأنا معه فقد عاش المسكين كوابيس لا يمكن تصورها، وكان يرفض حتى الخروج للعب مع الأطفال.

شجاعة أم

يتحدث الدكتور النفساني الدي يشرف على علاج الأم وابنها، الذي رفض ذكر اسمه، عن شجاعة هذه الأم معتبراً أن ظاهرة اغتصاب الأطفال متفشية في عدد كبير من المجتمعات وتزداد في المغرب، ويعرف الطبيب الاغتصاب بكونه حالة من العنف الجنسي وفيه مستويات عدة، تحرش لفظي بالعبارات التي تحث الطفل على الفعل، وبصري عن طريق إرغام الطفل على أن يتعرى أو تعري الطرف الآخر، وتحرش جنسي عن طريق الملامسة أو العلاقة الجنسية المباشرة. والعلاج يتطلب وقتاً طويلاً وتعاوناً من كل أطراف العائلة مع الطبيب المعالج لأن التاثيرات النفسية قد تدوم إلى فترة المراهقة بل قد تزيد إن لم يكن ثمة علاج سريع حيث تصل إلى حد الاكتئاب والانتحار.