mena-gmtdmp

المصممة العراقية هناء صادق تحوّل الحرف العربي إلى هوية في الأزياء

في عالم تتسارع فيه صيحات الموضة وتتشابه الاتجاهات، تبرز المصممة العراقية هناء صادق كحالة فنية استثنائية، نسجت لنفسها أسلوباً متفرّداً جعل من الحرف العربي والهوية الشرقية توقيعاً لا يُشبه سواه. فمنذ أكثر من ربع قرن، اختارت أن تحوّل اللغة العربية من نصّ يُقرأ إلى جمال يُرتدى، وأن تجعل الأزياء مساحة للتعبير الثقافي والوجداني، لا مجرّد صيحة عابرة.

وبمناسبة يوم اللغة العربية، نلتقي هناء صادق في حوار خاص نسلّط من خلاله الضوء على مسيرتها الغنية، وفلسفتها الجمالية، وشغفها العميق بالحرف العربي، وكيف استطاعت أن تكون من أوائل من أدخلوه إلى الأزياء العصرية، محافظة على الأصالة، ومتجاوزة حدود الموضة السائدة نحو رؤية إنسانية وثقافية أوسع.

 

المصممة العراقية هناء صادق  - تصوير عبدالعزيز السعود
 المصممة هناء صادق  - تصوير عبدالعزيز السعود

 

- كيف بدأت رحلتكِ من دراسة الأدب الفرنسي والفن التشكيلي إلى عالم تصميم الأزياء؟

درستُ الأدب الفرنسي لأنني منذ طفولتي كنت أتعلم هذه اللغة في المدرسة الوحيدة التي تعتمدها آنذاك في بغداد. إلى جانب ذلك، كنت متفوّقة في الرسم، ما دفعني إلى دراسة الفن التشكيلي في أكاديمية الفنون في الجامعة. بعد زواجي وانتقالي للعيش في باريس، تابعت دراسة الفنون، وهناك، وبمساعدة أستاذي، اكتشفت حنيني العميق للبيئة العراقية، خصوصاً الأزياء التقليدية وما يرافقها من حُلي، من هنا بدأ عزمي على التعمّق في دراسة الملابس التراثية، لا سيما أن جدتي كانت ترتدي الثوب الهاشمي الشفاف بكل ما يحمله من بهاء ورقي وأنوثة، وهو ما ترك أثراً بالغاً في ذاكرتي الجمالية.
تابعي أيضاً: 7 أفكار لتنسيق عبايات فخمة لسهرة رأس السنة 2026.. لا تفوتيها

المصممة العراقية هناء صادق  - تصوير عبدالعزيز السعود
المصممة العراقية هناء صادق  - تصوير عبدالعزيز السعود

 

- من هي الملهمة التي تقود رؤيتكِ في كل تصميم؟

المرأة العربية هي ملهمتي الأولى. تلك المرأة التي تجمع بين الرقة والقوة، بين عمقها الشرقي وحرصها على أن تكون متجددة وجذابة. من خلالها عشقت التراث، ووجدت في المعاصرة وسيلة عملية لإظهاره بأسلوب أكثر فخامة وأناقة.

 

المصممة العراقية هناء صادق  - تصوير عبدالعزيز السعود
  تصميم من هناء صادق - تصوير عبدالعزيز السعود

 

-لكِ فلسفة واضحة في التصميم، فكيف تقدمين من خلالها هوية عربية معاصرة؟

فلسفتي تقوم على إبراز الأنوثة العربية دون كشف مساحات كبيرة من الجسد. أجريتُ العديد من الدراسات والتجارب التطبيقية حول الحوافز الجمالية، وكان أهمها الغموض ومحاولة اكتشاف ما وراء المخفي. لهذا جاءت تصاميمي  بعيدة عن الابتذال أو الإبهار الرخيص، ومبدئي الدائم: الموضة العالمية تتبعني، ولا أتبعها.

المصممة العراقية هناء صادق  - تصوير عبدالعزيز السعود
المصممة العراقية هناء صادق  - تصوير عبدالعزيز السعود

 

- أنتِ من أوائل من أدخل الحرف العربي إلى الأزياء، فما الذي دفعكِ لهذا القرار الجريء؟

أرى أن اللغة العربية لغة عميقة وغنية، وربما هي اللغة القديمة الوحيدة التي لم تنقرض. أعشق حروفها وشِعرها، فقمت بدمجهما في لوحات فنية وضعتها على جسم المرأة ليكتمل جمالها ويُكشف شغفها، من هنا جاءت ريادتي في نشر هذا التوجه عربياً وعالمياً.

- ما التصميم الأقرب إلى قلبكِ من حيث استخدام الكاليغرافية العربية؟

استعملتُ أشعار غزل لعدد كبير من الشعراء العرب فاستعنت بكل من محمود درويش وفدوى طوقان، ومن العراق السيّاب والمتنبي، ومن سوريا نزار قباني، ومن لبنان زاهي وهبي. كما استخدمتُ أنواعاً متعددة من الخطوط: الثلث، النسخ، الفارسي، الكوفي، الصقاري، وحتى المسند اليمني والحروف الآرامية. أما أكثر بيت شعر طرزته وكان الأقرب إلى قلبي فهو لابن الرومي: "أعانقها والنفس بعد مشوقةٌ إليها، وهل بعد العناق تدانِي؟"

- عند استخدامكِ للخط العربي، هل تركّزين على الجمالية أم المعنى؟

الحرف العربي بالنسبة لي روح ومعنى قبل أن يكون شكلاً. جماليته نابعة من عمقه، ومن الطاقة التي يحملها النص المكتوب، ولهذا لا أتعامل معه كزخرفة فقط، بل كرسالة وهوية.

كتاب 'الأزياء والحُلي العربية بلا حدود' للمصممة هناء صادق

 

- ما الذي يميّز هويتكِ عن غيرك من المصممين العرب؟

ذائقتي نقيّة وغير ملوّثة بما هو دارج. لا أتابع مجلات الموضة ولا ما تروّجه منصات التواصل. فثروتنا العربية هائلة: البروكار الدمشقي، الإيكات اليمني، الموسلين الموصلي، التلمساني الجزائري، الحايك المغربي، التوبيت المصري، إضافة إلى قصّات الأزياء العربية الفضفاضة المناسبة لمناخنا، وتنوّع التطريز السعودي والسوري والفلسطيني والتونسي وغيرها. كل ذلك يشكّل لدي بنكاً بصرياً لا ينضب، ولهذا أصمّم كل قطعة كلوحة فنية واحدة أو اثنتين فقط، وأوقّعها. خبرتي بالقماش موروثة من جدي تاجر الأقمشة، إلى جانب دراستي للألوان، ورموز التطريز ومعانيها، وحتى الحُلي الفضية. كما ألّفت كتاباً من نحو 400 صفحة عن الأزياء والحُلي العربية قبل ترسيم الحدود الحديثة.

- كيف تنظرين إلى مسؤوليتكِ تجاه الأجيال المقبلة؟

أشعر بمسؤولية كبيرة، خصوصاً تجاه الشباب. التحدي اليوم هو الإعلام المضلل وانتشار من يدّعون المعرفة. أتمنى من الإعلام دعم ما هو أصيل، وإدراج التراث في المناهج، وإنشاء متاحف عربية شاملة للأزياء والحُلي من مختلف الدول، ليشعر الجيل الجديد بالفخر بالانتماء لهذه الأمة الغنية.

تصميم من هناء صادق - تصوير عبدالعزيز السعود
تصميم من هناء صادق - تصوير عبدالعزيز السعود

 

- ما مشاريعكِ المستقبلية؟

أطمح إلى تقديم عروض أزياء عربية لتوجيه المرأة العربية أولاً، ثم عروض عالمية لتعريف الغرب بهذه الفنون. التحدي الأكبر هو التمويل، رغم أنني أعيش حالة إبداع غزيرة.

- بمناسبة يوم اللغة العربية.. كلمة تعبّر عن حبكِ لها؟

أتمنى لو يُخصّص أسبوع كامل للاحتفال باللغة العربية، صاحبة الفضل الكبير على العالم في العلوم والفنون والآداب. أنا أحبها، وأفخر بأنني أتحدث بها.
قد يهمك أيضاً: مدونات الموضة المحجبات يكسرن قواعد ارتداء الترانشكوت بهذه الطرق