mena-gmtdmp

أزمة في قلب الصناعة: هل تخرج أقدم شركة مسيطرة على سوق الألماس من المشهد؟

دانة العلمي
دانة العلمي
دانة العلمي رائدة اعمال في مجال صناعة الذهب والمجوهرات

على مدى أكثر من قرن، شكّلت إحدى أكبر الشركات العالمية المتحكمة في سوق الألماس حجر الأساس في بناء صورة هذه الصناعة: الندرة، الفخامة، والقيمة الرمزية الخالدة. لكن اليوم، يبدو أن هذا الكيان الذي لطالما كان رمزًا للثبات في عالم المجوهرات؛ يمرّ بمرحلة تحوّل عميقة قد تغيّر ملامح السوق إلى الأبد.

في خطوة مفاجئة ظاهريًا، أعلنت الشركة الأم انسحابها من سوق الألماس المصنع مخبريًا، وهو المشروع الذي خاضته من خلال إحدى علامتها الفرعية. 
البيان الرسمي رافقه خطاب تسويقي قوي يؤكد التزام الشركة بالألماس الطبيعي و”قِيَمه الأصيلة”، ما دفع البعض إلى وصف القرار بأنه “نُصرة للأصالة” في وجه الألماس الصناعي. 

لكن النظرة التحليلية تكشف واقعًا مختلفًا؛ انسحاب لم يكن خيارًا رمزيًا، بل ضرورة اقتصادية، بعد أن عانت الشركة من أداء ضعيف وعجز واضح عن المنافسة في سوق أصبح فيه المصنع متوفّرًا بكثافة وأسعار منخفضة للغاية.

مشروع الألماس المصنع مخبريًا، الذي أُطلق عام 2018، لم يحقق العوائد المرجوة رغم الدعم المؤسسي، ووجدت الشركة نفسها في قلب سوق لا تستطيع السيطرة عليه ولا فرض معايير تسعير ضمنه. ومع تراجع الطلب على الألماس الصناعي، خاصة في الولايات المتحدة، وتنامي القوة الإنتاجية في الصين والهند، بات من الواضح أن البقاء في هذا السوق يُهدد هامش الربح والهوية التاريخية للشركة.

الأمر لا يتوقف هنا. في فبراير 2025، أعلنت الشركة الأم المالكة للحصة الكبرى (85%) في هذه المجموعة عن تخفيض القيمة الدفترية للشركة بمقدار 2.9 مليار دولار، لتصبح 4.1 مليار فقط. هذا التخفيض ليس مجرد إجراء محاسبي، بل مؤشرٌ واضحٌ على فقدان الثقة بقيمة أصول الشركة، نتيجة تراجع الطلب على الألماس الطبيعي أيضًا، واضطراب أسواق الاستهلاك الرئيسية، خاصة في آسيا.

ولعل المؤشر الأبرز على التحوّل الجذري هو ما صرّحت به الشركة الأم مؤخرًا؛ أنها تدرس بيع حصتها بالكامل، سواء عبر طرح عام أولي أو من خلال صفقة بيع مباشر. هذا التوجّه يندرج ضمن إستراتيجية أوسع للتخارج من قطاعات لم تعد تحقق الأرباح، والتركيز بدلًا من ذلك على مجالات أكثر ارتباطًا بالطلب العالمي المستقبلي، مثل النحاس وخام الحديد، في ظل صعود صناعات الطاقة المتجددة والتكنولوجيا النظيفة.

ما نشهده اليوم ليس مجرد إعادة هيكلة لشركة عملاقة، بل تحوّل نوعي في مستقبل صناعة الألماس. لأكثر من 100 عام، لعبت هذه الشركة دورًا محوريًا في تحديد معايير القيمة والندرة. واليوم، تقف أمام مفترق طرق؛ إما الخروج الكامل من المشهد، أو إعادة تعريف دورها في سوق يتغيّر بوتيرة غير مسبوقة.

السؤال الذي يبقى مطروحًا: هل نحن أمام نهاية الاحتكار التقليدي للألماس؟ وهل سينجح المصنع المخبري في فرض نفسه كبديل قابل للحياة طويلًا؟ أم أن الأسواق ستعيد تموضعها من جديد، في معادلة أكثر توازنًا بين الفخامة والتكنولوجيا؟!