حوار

غالباً ما تجد نفسها في حوار مع محيطها وكل ما فيه من أحياء.

تتساءل: هل هذه علامة جيّدة، وإشارة إلى الحيويّة وفرح الحضور في الحياة؟

>>> 

حالما تفتح عينيها في الصباح، وتُطلُّ عليها أنوار الفجر يبدأ التساؤل: أوَ يكون ذلك النهار من بعض أوقات السعادة والفرح، أم أنه سيعبر مثلما عبرت من قبلُ أيام لم تسجّل حضورَها الذاكرة.

>>> 

ثم تفتح باب البيت وتهمُّ بالخروج مثل عادتها في كل يوم لتمارس رياضة الصباح؛ وهنا تبدأ سلسلة حوارها مع الناس الغادين في تلك الساعة المبكرة من النهار. وهم عمّال يلتحقون بورشة أشغالهم؛ أو أنهم طلاّب يسعون إلى مدارسهم، وقد حملوا فوق ظهورهم أثقالاً من الكتب يرزحون تحتها.

ولماذا؟...

>>> 

تتساءل ولا تجد جواباً.

إنما تأتيها زقزقة عصفور من حديقة في الجوار.

وفيما هي تفكّر بأن تلك الأنغام هي فاتحة نهارها، تعود وتتذكّر ما يحدث. في مدينتها من تهجير لتلك المخلوقات اللطيفة بسبب قطع الأشجار وطمس معالم الحدائق لترتفع مكانها العمارات الشاهقة.

>>> 

ولأنها تنهض باكراً، يتسنّى لها مراقبة حركة الشارع، وكيف تبدأُ بطيئة خجولة، ثم لا تلبث أن تقوى لتسبّب زحمة في الشوارع والساحات.

>>> 

في الآونة الأخيرة باتت تلاحظ وجوهاً لا تشبه أهل بلدها، ويمكن معرفة أصولها من النظرة الأولى: الفلبين، سريلانكا، الحبشة أو بنغلادش.

«من سماتهم تعرفونهم» يعبر هذا القول في ذهنها؛ وهم غرباء، وجلّهم من النساء.

>>> 

وفي خلال سيرها تلتقي بواحدة منهن، تجرّ عربة طفلتها التي لم تجاوز سنتها الأولى: وهي طفلة الأم العاملة؛ ترافقها إلى المصنع أو أي مكان تعمل فيه.

وهكذا توفِّق بين الأمومة والعمل.

>>> 

ثمة رجل مسنّ يبكر مثلها ليطوف في المكان ويمارس هواية أخرى: جمع عبوات التنك الفارغة ليبيعها لمن يُعيد تصنيعها.

الرجل يجاوز العقد السابع من عمره، وتلك هوايته وسبب ارتزاقه.

>>> 

أولئك هم أصدقاء الصباح.

تأنس بحضورهم، وقد أصبحوا في حسابها مثل دورة الأيام، أو طلوع الفجر وشروق الشمس.

>>> 

وهم أصدقاؤها، يؤنسها حضورهم، ويُعلمها بأن مدينتها بخير، وتتابع دورة حياتها اليومية بسلام.