فتور العلاقة الزوجيَّة

أكدت الدِّراسات النفسيَّة الحديثة، أنَّ من أهم أسباب تدمير العلاقة الزوجيَّة, إهمال التعبير عن الإحاسيس والمشاعر، وعدم البوح بكلمات حبٍّ واضحة وصريحة بين الزوجين، فحين يسكت حوار الهمس يتكلم الملل، ويصبح الصمت أسوأ مرض يصيب الحياة الزوجيَّة، وأنَّ الإفصاح عن المشاعر أفضل وسيلة لإنجاح الزواج وإذابة الجليد الذي يتكون بين الزوجين بمرور السنين، فالصمت يؤدي إلى الملل، والملل يؤدي إلى الغربة، وما أبشع الإحساس بالغربة مع شخص تعيش معه تحت سقف واحد، وباستمرار الإحساس بالغربة يؤدي إلى الانفصال العاطفي أو ما يسمى بالطلاق الصامت.

 

 وأتساءل: ترى ما الذي يمنع الزوج من أن يعبر عن مشاعره بكلمات واضحة، وقد منحه الله سبحانه نعمة النطق، خاصة أنَّ ذلك لن يكلفه أي مجهود؟، فهل يعتبر الزوج البوح بمشاعره ضعفًا أو انتقاصًا لكرامته أو تقليلاً لرجولته؟، فهناك من يقول: إنَّ الكلمات ترخص المشاعر وتفقدها قيمتها، ولو يعلم الزوج أنَّ أي زوجة تتلهف شوقًا لسماع كلمة حبّ أو تقدير من زوجها، فذلك يعني لها الكثير والكثير، ولو يعرف مدى قوة تأثير ذلك عليها وكم يمنحها من قدرة على الصبر وتحمل معاناة الحياة، لكن مع الأسف أصبحنا كثيرًا ما نسمع عن تلك البيوت التي تبدو لنا من الخارج جميلة، يملؤها الحبُّ والمودة، وتعشش فيها السعادة والاستقرار، لكن من الداخل تعاني من التنافر والقسوة والجفاف، تسير الحياة فيها بطريقة مخططة لا تتغير، يعيش سكانها في هدوء تام بمواعيد محددة للأكل والشرب والنوم، لا يكاد أي طرف يلتقي بالآخر، وهناك منازل تعيش في شعلة من المشاحنات والمشاجرات التي لا تنتهي إلا عند النوم، وفي بعض الحالات تصبح الحياة الزوجيَّة مجرد علاقة صوريَّة يمثل فيها الزوجان أمام الناس أنهما سعيدان؛ لاعتبارات اجتماعية وشكليَّة، لكنَّهما على أرض الواقع يعيشان منفصلين، وهما تحت سقف واحد؛ لانعدام مقومات التفاهم والانسجام، وكم من زوجة تعيش في كهف بارد يغلفه صمت مخيف، وكم من زوجة تعيش الغربة والوحدة داخل بيتها وتشعر باحتياجها للتحاور مع زوجها الذي لا يتكلم ولا يسمع ولا حتى يرى وتبدأ عمليَّة الهروب أو التقوقع، والمحزن أنَّ هناك بعض الزوجات تنسى أنها متزوجة؛ لأنَّ دورها في المنزل مقيد ضمن وظائف وفروض وواجبات والتزامات محددة، ويعتقد بعض الأزواج أنَّ العطاء يتمثل في منح المادة فقط، وبالمقابل يطلب من زوجته أن تعمل على راحته وتتفانى في إسعاده، وإذا أهملت أي مطلب من مطلوباته فمن حقه أن يهرب من عالمها؛ ليبحث عن غيرها ويعلن جملته الشهيرة «زوجتي مهملة»، ترى.. لماذا تتوجه أصابع الاتهام دائمًا للمرأة بأنَّها السبب في فتور العلاقة الزوجيَّة وإصابتها بالملل، فهل الرجل بريء من هذه التهمة التي استمتع في إلصاقها بالمرأة؟ أليست الحياة الزوجيَّة مشاركة ومناصفة؟ هل بيدها وحدها فقط قيادة دفة السفينة بهدوء وسكينة؟ وهل مطلوب منها بذل جهد مضاعف وعطاء مكثف، ويجب عليها أن تتحمل سلبيات زوجها وعيوبه حتى لا يهرب منها، وتكون السبب في زواجه عليها؛ لأنَّها لم تحافظ عليه كما يجب؟ إنَّ تجديد الحياة الزوجيَّة بين الرجل والمرأة من حين لآخر شيء ضروري ومهم؛ حتى لا تتعرض حياتهما للملل والروتين، وإذا أراد الزوجان أن يبعدا شبح الملل والفتور وأن تنجح علاقتهما وتستمر، فلابد أن يحاولا معًا تزكية هذه العلاقة، وتدعيم حياتهما بألوان من الحبِّ والعطف والودِّ والوضوح والصراحة والشفافية والاهتمام والعطاء والتضحية المتبادلة.

 

أنين المشاعر:

إنَّ البخل العاطفي له أشكال متعددة، فهناك زوج يتخوف من إظهار مشاعره لزوجته ويعتبر ذلك ضعفًا وأنَّها بذلك ستكون أقوى منه فيتراجع ويفكر أكثر من مرة قبل إظهار مشاعره الخاصة.

د. إجلال حلمي