نعمة أم نقمة؟

هل الاانفتاح على عادات الشعوب الأخرى وثقافتها نعمة أم نقمة؟ إن التنمية عملية نوعية تساهم في عمليات التغير الاجتماعي، ومن الطبيعي خلال تطور ونمو مجتمعنا أن نعايش أجناسًا من دول مختلفة، سواء من خلال ابتعاث الأقلية للخارج ومعايشتهم لأنماط وثقافات مختلفة، أو العكس من خلال استقدام واستقبال الأكثرية للداخل، وقد اهتمت الدولة بالتخطيط لتوفير الأيدي العاملة لتحقيق التنمية اللازمة في المجالات الحيوية من حيثُ التخصص لتواكب التطورات الحديثة، وترجع أهميتها إلى كونها العامل الحاسم الذي يحتاج إلى كفاءات وتخصصات متنوعة في أوجه النشاط المختلفة اقتصاديًا وصناعيًا وتعليميًا واجتماعيًا.. ونحن كمجتمع له نظمه المتعددة التي لن تبقى على صورة واحدة، بل تتغير من فترة لأخرى، لأن التطور سنة الحياة، منها ما يكون إيجابيًا ومنها ما يكون سلبيًا، ومن هنا يحدث اختلال في النظم ويبدأ ظهور بعض مظاهر التفكك والانحلال، وهو ما نعبر عنه بالمشكلات الاجتماعية.

فالتغير الاجتماعي يشمل المجتمع ككل، ويتمثل في العلاقات الإنسانية التي تمثلها العادات والأعراف والنظم واللغة وجميع الصور المجتمعة للثقافة، التي تشمل العناصر المادية وغير المادية، وبالتالي فإن التحول الاجتماعي يصاحبه نشوء صور جديدة ومستحدثة من الثقافات والعادات المختلفة.

ولا يمكننا إنكار أن هناك كوادر أثرت سلبًا، وعمت عادات سيئة غير سوية تسربت إلى مجتمعنا وسيطرت على أفكار البعض، واكتسب السلوك أنماطًا مستحدثة لم يكن لنا بها عهد من قبل، وظهرت نماذج جديدة من العلاقات الاجتماعية ضمن نطاق الانسياق، وأصبحت التغيرات الفجائية تعتبر وكأنها مسألة عادية مألوفة نتيجة تغيرات سريعة ومتلاحقة،

فالقيم التي تبث في المجتمع متعددة المصادر، وتشترك فيها حضارات متنوعة، ولكل فئة منها مفاهيم خاصة بها... معنى ذلك أننا كسبنا الكثير وخسرنا أيضًا الكثير.

فالانفتاح بجميع أشكاله وأنواعه سلاح ذو حدين، فهو نعمة إذا أحسنَّا الاختيار واستفدنا من الخبرات الجديدة بدرجة ما نحتاجه ويهمنا ويراعي مصالحنا ويواكب تربيتنا ويتماشى مع ثقافتنا، وما يكون فيه فكر بناء وابتكار وإبداع، ولا نغفل من استفدنا منهم من كوادر تربوية وتعليمية كان لها الفضل بعد الله في تعليمنا وتوجيهنا ورفع كفاءتنا في جميع المجالات،

وليست كل الثقافات إيجابية، لأن هناك أفكارًا ووجهات نظر أثرت سلبًا على اتجاهاتنا وتخالف مبادئنا، والضعيف من ينجذب إليها ولا يفطن إلى خطورتها، ونحن لا نزال مع الأسف في نظر الشعوب متخلفين حضاريًا بسبب تمسكنا بتعاليم ديننا، وبالتالي لا تزال توجد فئة لدينا تحاول أن تنفي وتنفض عنها هذا الاتهام، وذلك بالانسياق وراء كل الصرعات لتعديل آرائها ومسارها من دون وعي منها، مما كان له تأثير في المجتمع بوجه عام وفي سلوك الناس بوجه خاص.

وبما أننا ـ ولله الحمد ـ من الدول المتمسكة بمبادئ وأخلاقيات أساسية مستمدة من كتاب الله وسنة رسوله، صلى الله عليه وسلم، وهي التي تحكم علاقاتنا بجميع الوفود، مما حـدَّ كثيرًا من انتشار سلوكيات وعادات على المستوى العام.

فالإسلام كُلٌ لا يتجزأ، له تربيته وقواعده الخاصة في تنظيم شؤون البشر، وهو شامل لجميع المقومات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وهو مكون أساسي للثقافة، ومن حقنا أن نتمسك بقيمنا وعاداتنا وتعاليمنا، لأن الإسلام ليس عدو الحضارة أو الحريات، ونرفض أن تتحول الحرية إلى أداة للصراع نحارب بها أنفسنا، ولا بد أن ندرك أن علينا المحافظة على مجتمعنا بالعلم والفكر، وأن نكون واعين في مراقبة التصرفات الدخيلة وإدراك آثارها ليس على جيلنا فقط، لكن للأجيال القادمة، فالمسؤولية ليست مقصورة على أجهزة الدولة فقط، بل هي مسؤولية كل فرد.